تفسير قوله تعالى: (ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد)
قال تعالى: ﴿وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ﴾ [غافر: ٣٢] يوم التناد: هو يوم التناجي، يوم ينادي الناس بعضهم بعضاً، ويستجير بعضهم ببعض فلا مجير ولا عاصم ولا ملجأ من الله إلا إليه.
وقوله تعالى: ﴿إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ﴾ [غافر: ٣٢] هذه الآية فيها قراءتان: قراءة ورش وابن وردان بوصل كلمة (التناد) بما بعدها، فيثبتان الياء، وعند الوقف عليها يحذفان الياء.
أما ابن كثير ويعقوب فيقرأان: (يوم التناد) وصلاً ووقفاً.
ويوم التناد: هو يوم القيامة، مأخوذ من النداء الذي هو الصراخ، فإنه يصرخ بعضهم على بعض، وينادي بعضهم بعضاً، فيقول أهل الجنة لأهل النار: ﴿فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا﴾ [الأعراف: ٤٤] وينادي أهل النار أهل الجنة، قال تعالى: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾ [الأعراف: ٥٠] فيرد عليهم أهل الجنة: ﴿إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [الأعراف: ٥٠].
وينادي أصحاب الأعراف أناساً يعرفونهم بسيماهم، قال تعالى: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ﴾ [الأعراف: ٤٨] فأصحاب الأعراف ينادون المستكبرين من أهل النار: هل رأيتم عذاب رب العالمين؟ هل رأيتم وعد الله وقد تحقق بكم؟ ويتعوذون بالله أن يجعلهم معهم، والملائكة تنادي أهل الجنة وأهل النار فيرفعون أعناقهم إلى النداء، فيرون الموت ويقال لهم: أتعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، فيذبح الموت بين الجنة والنار، ويقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت.
وينادي أهل النار مالكاً، قال تعالى: ﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ﴾ [الزخرف: ٧٧].
وينادون ربهم سبحانه وتعالى فيقولون: ﴿رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠٧] فيوم القيامة هو يوم التناد.
قال تعالى: ﴿وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ﴾ [غافر: [٣٢ - ٣٣] وهذه الآية مثل قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾ [عبس: ٣٤ - ٣٧] فكل إنسان يهرب من الآخر، ويقول: نفسي نفسي، قال تعالى: ﴿يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ﴾ [غافر: ٣٣] أي: يعطي كل واحد منهم دبره للآخر، ويفر منه ويعطيه ظهره، ويمشي بعيداً عنه، فلا الزوج ينفع زوجته، ولا المرأة تنفع زوجها، ولا الابن ينفع أباه وهكذا، قال تعالى: ﴿مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ﴾ [غافر: ٣٣] أي: من منجٍ يعصمكم ويدافع عنكم أمام عقوبة رب العالمين سبحانه، ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ [غافر: ٣٣] أي: من أضله الله وختم على قلبه فمن الذي يهديه من بعد الله سبحانه وتعالى؟!


الصفحة التالية
Icon