تفسير قوله تعالى: (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد)
قال الله سبحانه مجيباً لهؤلاء: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ﴾ [فصلت: ٦].
وهذا من التلطف في الخطاب، وإلا فهم يعرفون أنه بشر مثلهم عليه الصلاة والسلام، وأنه مولود من أبوين منهم، وولد بينهم، فهم يعرفونه تماماً صلوات الله وسلامه عليه.
وهنا يقول: ((أَنَا بَشَرٌ)) أي: مثلي مثلكم، فلا أتعالى عليكم، ولا أستكبر عليكم، ولا أقول: إنني من جنس آخر غير جنسكم، وإنما أنا بشر مخلوق من طين كما خلقتم أنتم من طين، وولدت من أبوين كما ولدتم أنتم أيضاً.
وهذا يرد ما جاء كذباً على النبي ﷺ في الحديث أنه قال: (أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر) فإن هذا كذب لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو كلام موضوع عليه صلى الله عليه وسلم، فلم يخلق من نور وإنما خلق كغيره من البشر من طين ومن مني، فهو من أبوين ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ [فصلت: ٦] وإنما ميز عليهم بالوحي من السماء.
﴿يُوحَى إِلَيَّ﴾ [فصلت: ٦] أي: ينزل علي الوحي من السماء، وينزل علي الملك من عند رب العالمين؛ ليخبرني وينبئني بما يريده الله منكم، فأبلغكم رسالة الله سبحانه تبارك وتعالى.
إذاً: النبي ﷺ لم يميز على غيره في أصل الخلقة، وإنما ميز عليهم ﷺ بأن جعله الله عز وجل نبياً رسولاً صلوات الله وسلامه عليه.
((يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ)) وهذه هي دعوة كل الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهي دعوة التوحيد فاعلم أنه لا إله إلا الله، وكانوا يدعون قومهم ﴿أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [المؤمنون: ٣٢]، فلا إله إلا الله هي دعوة كل الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، وكذلك دعا النبي ﷺ إليها، فإنه إنما أوحي إليه ﴿أَنَّمَا إِلَهُكُمْ﴾ [فصلت: ٦] أي: المعبود الوحيد الذي يستحق العبادة هو الله سبحانه تبارك وتعالى.
﴿أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ [فصلت: ٦]، فلماذا تفرقون بين الرب وبين الإله، فتقولون: الرب واحد وهو الذي يخلق ويرزق، والآلهة التي نعبدها كثيرة متعددة؟ وأي مزية في هذه الآلهة حتى تعبدوها وتتقربوا إليها وتتركوا الذي خلقكم ورزقكم؟! فإن الإله والرب الواحد سبحانه، ﴿الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ [الشعراء: ٧٨ - ٨٠]، إذاً: الله سبحانه هو الذي يفعل ذلك: ﴿وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ﴾ [الشعراء: ٨٢] وهو هذا الإله الذي أتوجه إليه بالعبادة سبحانه.
﴿فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ﴾ [فصلت: ٦] أي: استقيموا على دينه، وتوجهوا إليه بأقصر الطرق، وهي طريق الاستقامة، فلماذا تنحرفون عنه؟! ولماذا تقولون: نعبد الأصنام؛ لأنها تقربنا إلى الله؟! توجهوا إليه مباشرة، قال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾ [البقرة: ١٨٦]، فلا تبتعد عن ربك سبحانه، واستقم إليه، كما قال: ﴿فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ﴾ [فصلت: ٦] أي: استقيموا على طاعته، وخذوا أمره سبحانه عن طريق النبي صلى الله عليه وسلم، وليس عن طريق غيره، فاعملوا به، فإنه يدعوكم إلى التوحيد، وإلى الاستقامة على دينه سبحانه تبارك كما تعالى، كما قال: ﴿فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ﴾ [فصلت: ٦] أي: أقيموا وجوهكم إلى الله واعبدوه وحده لا شريك له ﴿وَاسْتَغْفِرُوهُ﴾ [فصلت: ٦] أي: توجهوا إليه وحده، واستغفروه من شرككم ومن معصيتكم، ومن جهلكم ووقوعكم في الأخطاء تجاه ربكم وتجاه الخلق.
ثم قال: ﴿وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ﴾ [فصلت: ٦] ويل: وعيد شديد من الله سبحانه، قيل: ويل: واد في قعر جهنم للكفرة والمشركين والعياذ بالله، فهو تهديد لهم، أي: لكم الويل والهلاك، فلكم واد في قعر جهنم -والعياذ بالله- إذا أشركتم بالله، ودمتم على هذا حتى متم عليه.


الصفحة التالية
Icon