الواجب عند الاختلاف
وأمر الله المؤمنين بدين واحد وهو الإسلام ونهاهم عن التفرق فيه من بعد ما جاءهم العلم والبينات، وما اختلفوا فيه من شيء فيرد إلى الله ورسوله، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾ [الشورى: ١٠]، وينظر أهل العلم في ذلك، يقول ربنا سبحانه: ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا * وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [النساء: ٨٢ - ٨٣].
فالمنهج الذي جعله الله عز وجل للمؤمنين أنهم إذا اختلفوا ردوا الأمر إلى الله، قال تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [النساء: ٥٩]، فالطاعة لله وللرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا حدث تنازع بين المؤمنين ردوا الأمر إلى الله ورسوله.
ومعنى قوله تعالى: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [النساء: ٨٣]، أي: إذا حدث خلاف، أو شاع إرجاف بين المؤمنين فليهرعوا إلى النبي ﷺ فيسألونه إذا كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، أما إذا لم يكونوا في عهده فليلجئوا إلى أهل العلم ويسألونهم عن ذلك، فإنهم يستنبطون من الكتاب ومن سنة النبي ﷺ ما يدلهم على ذلك، فرجعوا فيه.
وليس كل أهل العلم يستنبطون الأحكام وإنما بعضهم، والاستنباط لغة: هو إخراج الشيء الخفي.
واصطلاحاً: استخراج الأحكام الشرعية من مفاهيم الكتاب وسنة النبي صلوات الله وسلامه عليه، فإذا تنازع المؤمنون في شيء فليردوه إلى كتاب الله سبحانه وتعالى وإلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأهل العلم يستنبطون حكمه ويستخرجونه من كتاب الله ومن سنة النبي صلوات الله وسلامه عليه، إما بالنص، أو بدلالة الإشارة أو بالعبارة، أو بالقياس على الشيء، فينظرون ويستخرجون حكم النازلة التي نزلت.
أما إذا تفرقوا إلى فرق، فقد قال النبي ﷺ فيها: (كلها في النار إلا واحدة) وهم الذين هم على ما كان عليه ﷺ وأصحابه، كان كل خير في اتباع من سلف، وكل شر في اتباع من خلف.
والإنسان الذي يظن بنفسه أنه أفضل وأعلم وأحكم من أصحاب النبي ﷺ فإنه جاهل مغرور، إنما العلم نزل على النبي صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء الصحابة الأفاضل تعلموا من النبي ﷺ حال نزول الوحي عليه، ثم أمرهم صلوات الله وسلامه عليه فقال: (بلغوا عني ولو آية) وأمروا بالبلاغ ليؤخذ منهم ذلك، فأخذ أهل العلم من الصحابة الأفاضل عقيدة الإسلام الصافية الخالدة، ودين رب العالمين الذي أنزله على سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه، واعتصموا بذلك ولم يختلفوا أو يتفرقوا، فإذا اختلفوا صاروا كالذين من قبلهم.
وقوله تعالى: (بَغْيًا بَيْنَهُمْ)، بغياً: مفعول لأجله، أي: لأجل البغي، أو بسبب أنهم بغى بعضهم على بعض حدثت الفرقة بينهم.


الصفحة التالية
Icon