تفسير قوله تعالى: (لتستووا على ظهوره)
قال الله تعالى: ﴿لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ﴾ [الزخرف: ١٣] أي: لتركبوا على ظهور الإبل، وعلى ظهور السفن، والسيارات وغيرها: ﴿ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ﴾ [الزخرف: ١٣] إذاً: الإنسان لا يأخذ النعمة وينسى ربه سبحانه وتعالى، بل لابد أن تأخذ النعمة وتؤدي حق هذه النعمة عليك، بأن تشكر ربك سبحانه وتعالى.
يقول الله تعالى: ﴿ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا﴾ [الزخرف: ١٣] هاهو الله عز وجل علمكم ما الذي تقولونه حين تركبون الدواب وحين تركبون ما خلقه الله عز وجل لكم، قال تعالى: ﴿وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ﴾ [الزخرف: ١٣] إذاً: هذه سنة الله سبحانه التي ذكرها في كتابه، وحين تركبون دابة من الدواب وحين تركبون على ظهور ما خلقه الله عز وجل لكم تقولون: ﴿سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ﴾ [الزخرف: ١٣ - ١٤] يعلمنا ربنا سبحانه ويعلمنا النبي ﷺ الأذكار، وذكر الله عز وجل يقول الله عنه: ﴿أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: ٢٨]، فتذكر ربك سبحانه ليل نهار، وتذكر ربك وأنت في بيتك، وحين تأوي إلى فراشك، وحين تأتي إلى أهلك، وحين تدخل بيتك، وحين تخرج منه، وحين تذهب إلى المسجد، وإلى عملك، وحين تركب الدابة.
هذا الذكر الذي ذكره الله عز وجل في هذه الآية يذكرنا بأن سفر الإنسان سفران: سفر في الدنيا من بلد إلى بلد، وسفر آخر طويل إلى الله عز وجل حتى تصل إلى الجنة في النهاية، فيقول سبحانه: ﴿ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ﴾ [الزخرف: ١٣ - ١٤]، فحين تخرج من بيتك مسافراً وتريد أن ترجع إلى بيتك لا تنس بيتك الأصلي الجنة، التي أهبط منها آدم فترجع إليها مرة أخرى، وكما أنك في سفرك تتزود بطعام وشراب ونفقة، فتزود للسفر الأكبر حتى ترجع إلى الجنة بتقوى الله سبحانه، فيذكرنا الله عز وجل في كتابه دائماً بسفر الآخرة، فلما ذكر الله الحج قال: ﴿وتَزَوَّدُوا﴾ [البقرة: ١٩٧] ثم ذكرنا أننا مسافرون إليه، قال تعالى: ﴿فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾ [البقرة: ١٩٧]، وعندما يذكرنا الله أنه أنعم على العباد وأنزل عليهم لباساً وريشاً قال: ﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ﴾ [الأعراف: ٢٦] وعندما تذكر وأنت تلبس الثياب أن الله خلقها لك لتتزين بها وتتجمل بها، فتذكر لباساً هو أعظم من ذلك؛ لباس التقوى، قال الله عز وجل: ((ذَلِكَ خَيْرٌ))، فدائماً تستدل بما أوجده الله عز وجل لك على ما أخبرك عنه وغاب عنك من أمر الآخرة.
فقوله تعالى: ﴿وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هذا﴾ [الزخرف: ١٣] سبحان: مصدر ومعناها أسبح الله تسبيحاً؛ لأن هذه الكلمة تغني عن جملة؛ لأن أصلها تسبيحاً لله: وهو مصدر أغنى عن جملة أصلها أسبح الله تسبيحاً عظيماً، وبدل هذه الجملة كلها كلمة سبحان الله أي: أنزه الله وأقدسه، فهو الذي ينزه عن كل عيب ونقص وشين سبحانه وتعالى، وما أعجب خلقه سبحانه وتعالى! فهو خلق عظيم وعجيب، فالإنسان يركب هذه الدواب ليس بقدرته، ولكن الله عز وجل هو الذي سخرها له ليركب عليها، وهي أقوى منه بكثير، فالحمار يحمل ما لا يقدر الإنسان أن يحمله، فهو أقوى من الإنسان بكثير، فلو أنه غضب على صاحبه لعضه ورفسه وأهلكه، ولكن الله عز وجل يذلِله ويسخره، فلا يتسلط الإنسان ويتكبر فيسلط الله الحيوان عليه.
فلذلك الإنسان حين يركب الدابة عليه أن يذكر نعمة الله، وحين يركب على الحصان فلا يركب زهواً وفخراً وكبراً وخيلاء، أو يركب على الجمل فيرى نفسه أعلى من الناس وفوق الناس، فإن الله قد يكبه على وجهه، وكم من راكب ركب على جمل وعلا فوق الناس فإذا بهذا الجمل يعثر في الطريق في حفرة لفأر، وهذا من أشق الأشياء على الجمل، فلو أن حفرة فأر في الأرض وطئها الجمل لو قع الجمل، ويذكر العلماء قصصاً كثيرة في هذا المعنى، فيقول بعض أهل العلم في ذلك: يقول سليمان بن يسار: أن قوماً كانوا في سفر فكانوا إذا ركبوا قالوا: ﴿سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ﴾ [الزخرف: ١٣ - ١٤]، وفيهم رجل على ناقة له رازم، أي: أنها بطيئة وضعيفة وهزيلة فكان يقول: إنها ناقة رازم، وليست محتاجة لهذا الذكر، أي: كل الذين يركبون الجمال يقولون: سبحان الذي سخر لنا هذا، لأن جمالهم عظيمة وقوية وجمله ضعيف، وهو الذي يمسكه، فهو ليس محتاجاً أن يقول: هذا الذكر، قال: أما أنا فإني بهذا لمقرن، قال: فقنصت به فدقت عنقه.
فالإنسان حين يغتر ويرى أنه قادر يسلط الله عليه ما يهلكه، وانظر إلى مروضي الثعابين والأسود والنمور في السيرك ترى العجب من هؤلاء، عندما يغتر ويحس أن الأسد تحت يده يتسلط عليه الأسد ويمزقه، وكم من مرة يركب على هذا الأسد ويضربه بالكرباج ويعمل فيه، فإذا به يفعل بصاحبه ما فعله به ويمزقه.
ورجل آخر يمسك التمساح ويلعب به، ويصل به غروره إلى أن يضع رأسه داخل فم التمساح، فإذا بالتمساح يطبق على رأسه.
فالإنسان حين يغتر ويرى نفسه أقوى ما في الكون، يسلط عليه هذا الذي يتقوى عليه، فلا تغتر وقل: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وقس على ذلك حين تركب السيارة، ولا تقل: هذه سيارة اشتريتها الآن وتنسى الله سبحانه وتعالى، فقد تسرع شمالاً ويميناً فإذا بها تدمر وتنقلب بصاحبها ويهلك ويهلك معه من خلق الله ما يعلمه الله سبحانه وتعالى، إياك والغرور، فالسيارة تسير برحمة الله سبحانه وتعالى فلا تغتر، وقل ذكر الله سبحانه وتعالى: فإن الذي خلق لها هذه القوانين التي تسير بها هو ربها سبحانه، والقادر على أن يسيرها بغير قوانينها هو الله سبحانه وتعالى، فلابد للسائق أن يقول: ﴿وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ﴾ [الزخرف: ١٣ - ١٤].
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


الصفحة التالية
Icon