أول من وأد البنات من العرب وسبب ذلك
أول رجل عربي وأد البنات هو قيس بن عاصم التميمي والسبب: أن ناساً أغاروا عليه وأخذوا حريمه، وماله، ثم إن الذي أغار عليه، أخذ بنته لنفسه، فلما تصالحوا أراد قيس أن يأخذ ابنته، فخيرها الذي أخذها، بين أن ترجع إلى أبيها أو تكون زوجة له، فاختارت أن تكون زوجة له، فأقسم أبوها أنه لن ينجب بنتاً بعد ذلك إلا ووأدها، بسبب هذا الذي حدث، وليس من حقه أن يصنع ذلك، ولا ينبغي أن نجعل جريمة امرأة جريمة جميع النساء.
ولذلك الكفار أخذوا هذه الحجة وتلقفوها منه، وصاروا يقولون ويزعمون أن البنات مصدر شر لهم، فهن لا عمل لهن، ولا يدافعن عن القبيلة، وإنما يكن عاراً على القبيلة، إذاً: فلا داعي للبنات.
﴿يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ﴾ [النحل: ٥٩] أي: يختفي من الناس؛ كأنما صنع عملاً منكراً حتى لا يسألوه ماذا أنجبت ﴿مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ﴾ [النحل: ٥٩] بزعمه، ﴿أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ﴾ [النحل: ٥٩] أي: على هوان عظيم وذل جسيم، أم يدسها إما هو بنفسه، وإما أن يأمر غيره أن يصنع ذلك.
يصور الله عز وجل في هذه الآيات حالة الجاهلية الجهلاء، كيف يصنعون ببناتهم، هذه البنت التي كانت لا قيمة لها عند أهل الجاهلية، وعند أهل الأديان الأخرى، فقد كانوا لا ينظرون إليها إلا أردأ النظرات، ثم جاء الإسلام فعززها، وكرمها، وجعل لها وظيفة كبيرة، هي تربية أبنائها، بحيث يخرج وهو يعرف كيف يتعامل مع الناس، ومع العمل، ومع الآلات، وكما قيل: الأم مدرسة إذا أعددتها أعدد شعباً طيب الأعراق فالأم مدرسة تعلم أبناءها، في بيتها الرجولة والأدب، فإذا بالناس يتركون ما جعل الإسلام للمرأة من مكانة عظيمة في بيتها، ويخرجونها إلى الطريق سافرة، حاسرة عن حجابها، متبرجة تبرج الجاهلية الأولى، بل أشد من تبرج الجاهلية الأولى، فتنسى ربها سبحانه، وتنسى ما أمرها به في كتابه، وما أمرها به النبي ﷺ في سنته، لقد نسيت نفسها، فتركها الله عز وجل منسية لا قيمة لها، مهما علت في الدنيا؛ لأنها في النهاية سترجع إلى ربها سبحانه فيسألها، لما فرطت؟ لما ضيعت؟ كنت راعية على أهلك، وعلى مال زوجك، وعلى بيتك، ثم ضيعت هذا كله لتخرجي للناس في الطرقات متبرجة، سافرة، تتركين الدين وتفعلين المعصية.
لقد عاب الله سبحانه على أهل الجاهلية، ووبخهم على ما كانوا فيه من وأد بناتهم، وهم في أنفسهم كانوا يعرفون أن هذا الفعل لا يجوز لهم أن يفعلوه، ولكنه الطمع في الدنيا فقد فضحهم الله عز وجل فقال: ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ﴾ [الأنعام: ١٥١] أي: لئن كانوا يقتلون بناتهم خشية العار كما زعموا، فإن أكثرهم يقتلونهن خشية الفقر، ففضحهم الله عز وجل بهذه الآية.
فكان الإنسان يقتل ابنته إما لأنه فقير، أو لأنه يخاف من الفقر، فالله عز وجل يقول لهم: ﴿نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ﴾ [الإسراء: ٣١] أي: ثقوا فإن الرزق من عند الله، وليس من عندكم أنتم.
وقد روي أن رجلاً من هؤلاء كانت امرأته تلد الإناث، فولدت أنثى فهجر البيت، وكانت أحكم منه وأعلم فقالت في أبيات شعر لزوجها الذي اعتزل البيت غضباناً منها؛ لأنها ولدت أنثى: ما لأبي حمزة لا يأتينا يبيت في البيت الذي يلينا غضبان أن لا نلد البنين وهل سنأخذ غير ما أعطينا أي: أن الله سبحانه هو الذي يعطي ابنا أو بنتاً وسنأخذ ما أعطينا، فلماذا تصنع هذا الشيء؟ والأمر بيد الله سبحانه، ﴿يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا﴾ [الشورى: ٤٩ - ٥٠] فالله عز وجل جعل لإنسان الذكور، وجعل لآخر الإناث، وجعل لثالث الذكور والإناث، وجعل الرابع عقيماً لا يلد والله عليم حكيم سبحانه وتعالى، وهذه هبة من الله، فإذا أعطاك الله شيئاً فاحمده سبحانه وتعالى، وافرح بقضائه وقدره.