أطوار خلق الإنسان
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في سورة المؤمنون: ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ * وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ * وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ * فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ [المؤمنون: ١٥ - ١٩].
ذكر الله عز وجل عباده بنعمه العظيمة التي أنعم بها عليهم، ومنها: أنه خلقهم من تراب من سلالة من ماء مهين، ثم مرت نطفة الإنسان بالمراحل التي ذكر الله عز وجل في الآية قبل ذلك فقال: ﴿ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ﴾ [المؤمنون: ١٤].
فكان الإنسان في بداية تكوينه نطفة، ثم خلق الله عز وجل منها العلقة، ثم المضغة، وأنشأ الله عز وجل خلقاً آخر في مراحله الأولى لا يفرق بين نطفة الإنسان ونطفة الحيوان من حيث المنظر، وكذلك عندما تصير هذه النطفة علقة، ثم مضغة، ففي هذه المراحل تكون شكلاً واحداً في رحم الأم، ثم يخلق الله عز وجل العظام ويكسوها لحماً، وينشئ الخلق الآخر فيصير الإنسان إنساناً، أي: يصبح منظره منظر إنسان، منتصب القامة، فيه اليد والرجل والعين، فتبارك الله سبحانه أحسن الخالقين والخلاق العظيم سبحانه وتعالى، فهو الذي يخلق الشيء فيكون على الوفق الذي قدره سبحانه وتعالى، فهو الخالق البارئ المصور سبحانه، خلق وقدر كل شيء وأوجده من عدم إلى وجود، وأوجد فيه ما يتميز به عن غيره، فيقدر الشيء ويخلقه سبحانه وتعالى ويجعله على النحو الذي قدره عليه، قال تعالى: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ [المؤمنون: ١٤].
فإن من معاني الخلق: تقدير الشيء، والإنسان قد يقدر الشيء وقد يكون على وفق ما قدره وقد لا يكون، فالإنسان يقدر بتفكيره فتكون الفكرة سهلة عنده فلما يبتدئ ويعمل الذي يقوله قد يقدر أن يصل إلى ما فكر فيه وقد لا يقدر، أما الله سبحانه وتعالى فما من شيء يقدره إلا ويكون على ما قدره عليه سبحانه وتعالى، والأمر عليه يسير وسهل سبحانه وتعالى، فمن معاني الخلق: التقدير، ولذلك يقول زهير بن أبي سلمى في شعره: ولأنت تفري ما خلقت وبعض القوم يخلق ثم لا يفري وكأنه يمدح أحداً فيقول: أنت تقدر الشيء فيقع على النحو الذي قدرته، فيأتي الخلق بمعنى التقدير.
قال الله عز وجل: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ [المؤمنون: ١٤]، والله يقدر ولا بد أن يكون الشيء الذي قدره على النحو الذي أراده سبحانه، والإنسان عندما يقدر فقد يكون هذا الشيء وقد لا يكون، فالله أحسن الخالقين، وأحسن الصانعين سبحانه وتعالى، وهو الذي يتقن الشيء ويصنعه على ما قدره سبحانه.
ومن معاني الآية: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ [المؤمنون: ١٤]، أي: أتقن الصانعين سبحانه وتعالى فهو الذي يصنع الشيء على نحو من الإتقان العظيم الذي لا يشبهه فيه أحد أبداً، فلذلك الخلق يأتي بمعنى الصنع.