تفسير قوله تعالى: (وإنهم ليصدونهم عن السبيل)
قال الله تعالى: ﴿وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الزخرف: ٣٧] أي: الشياطين، ﴿لَيَصُدُّونَهُمْ﴾ [الزخرف: ٣٧] أي: يصدون أولياءهم، ﴿عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الزخرف: ٣٧] أي: الإنسان الذي يعصي ويظن نفسه محسناً فهذه مصيبة، أما الذي يعرف أنه عاص فلعله يتوب.
فالشياطين يزينون لهم الشرك الذي هم فيه، ويزينون لهم سوء أعمالهم؛ ولذلك يفعلون الأفعال القبيحة وهم يعتقدون أنهم يتقربون بها إلى الله، فكانوا في ملة إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام يلبي الملبي: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.
فجاء المشركون وغيروا في هذه الصيغة، فقالوا: لا شريك لك لبيك، إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك.
هذا الشرك والكفر يقوله من يقوله ولا يتفكر فيه.
فقولهم: لبيك لا شريك لك لبيك، إلا شريكاً هو لك، أي: إلا هذا الذي يكون شريكاً للرب سبحانه وتعالى عما يقولونه علواً كبيراً، وهم يعترفون بقولهم: تملكه وما ملك، أي: لك شريك واحد وهذا الشريك الذي هو لك أنت تملكه، وما يملك هو ملك لك أيضاً، وهذا الشريك لا يملك شيئاً، نقول: إذا كان هذا الشريك لا يملك شيئاً وهو ملك لله عز وجل فكيف يكون شركاً؟! وكيف يأنف الإنسان من أن يكون عبده شريكاً له فيما يملكه؟! قال تعالى: ﴿ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ [الروم: ٢٨] أي: أنت لا ترضى لنفسك أن يكون من تملكه من العبيد شريكاً لك؛ لأنك ستقول: أنا اشتريتك بمالي فكيف تكون شريكاً لي فيه؟! هذا لا يعقل، فكيف لا ترضاه لنفسك وترضاه لله سبحانه وتعالى؟! فهذا المثل الذي ضربه الله لكم من أنفسكم، ومع ذلك الكفار يتغاضون عن ذلك، ويقولون: لك شريك تملكه وما ملك، ويذهبون ليطوفوا حول الكعبة عراة رجالاً ونساء، فهذا دليل على أن الشيطان زين لهم سوء أعمالهم، وإلا فإنه يقبح في النظر أن يكون الإنسان متجرداً عارياً، فما الذي جعله قبيحاً في غير الكعبة وصار حسناً عند الكعبة؟ إلا أن الشيطان زين لهم ذلك، فإذا بهم يقولون: لا نطوف بالبيت في ثياب عصينا الله فيها، وما ذنب الثياب؟ أنت الذي عصيت وليست الثياب التي عصت الله سبحانه وتعالى، أي عقل يفكر بهذه الطريقة وبهذا الغباء! هؤلاء الكفار يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، يسيء الواحد منهم ويفعل الفعل القبيح الرديء وهو يزعم أنه على خير وأنه يحسن صنعاً، فيقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الزخرف: ٣٧] أي: يظن المشرك أنه على هدى في هذا الذي يفعله بشركه لله وبمعصيته له.


الصفحة التالية
Icon