تفسير قوله تعالى: (فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون فإنا عليهم مقتدرون)
قال الله تعالى: ﴿فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ﴾ [الزخرف: ٤١].
قوله: (فإما نذهبن بك) يقول الله تعالى لنبيه ﷺ ﴿وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا﴾ [الزخرف: ٤٥] قال المفسرون: نزلت هذه الآية قبل هجرة النبي ﷺ في قصة الإسراء والمعراج، فقيل له: اسأل الأنبياء: ﴿أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ﴾ [الزخرف: ٤٥]؟ قال: لا أسأل أحداً؛ لأنه واثق في كلام رب العالمين، لا يحتاج أن يسأل الأنبياء لا آدم ولا غيره صلوات الله وسلامه عليه وعلى الجميع.
فهذه السورة الكريمة نزلت على النبي ﷺ قبل هجرته وقد عانى من الآلام وعانى من مشاغبات قريش له صلوات الله وسلامه عليه، ومن تعذيبهم لأصحابه، ومن تنفيرهم الناس عن دينه عليه الصلاة والسلام؛ لذلك يقول ربنا سبحانه له: الأمر واحد من اثنين: ﴿فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ﴾ [الزخرف: ٤١] ولن نتركهم ﴿فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ﴾ [الزخرف: ٤١] أو نتركك تعيش ﴿أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ﴾ [الزخرف: ٤٢] والله على كل شيء قدير.
فيقول للنبي عليه الصلاة والسلام: ((فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ)) وهذه لها معنيان: الذهاب إلى الموت، أو الذهاب من مكة إلى المدينة؛ لأنه بعد مدة قليلة من نزول هذه الآيات هاجر صلوات الله وسلامه عليه إلى المدينة، وعلى هذين المعنيين فيكون الانتقام إما بالعذاب في الدنيا بالقتل والأسر ونحو ذلك، وإما بالعقوبة في قبورهم ويوم القيامة.
قال تعالى: ﴿أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ﴾ [الزخرف: ٤٢] أو نريك الآن وأنت بينهم عذابنا لهم، أو بعد أن تهاجر إلى المدينة نريك ما نصنع بهؤلاء، فكان من رحمة رب العالمين سبحانه أن هدى من شاء من خلقه فدخلوا في دين الله، ولم ينزل على مكة عذاباً من عنده سبحانه وتعالى، إلا ما كان من قتل الكفار الكبراء منهم في يوم بدر وغيرها من الأيام.
وجاء في الحديث عن النبي ﷺ كما في صحيح مسلم من حديث أبي موسى الأشعري: أن النبي ﷺ قال: (إن الله عز وجل إذا أراد رحمة أمة من عباده قبض نبيها قبلها، فجعله لهم فرطاً وسلفاً) أي: إذا أراد رحمة أمة قبض نبيها قبلها، وتعيش الأمة بعده فيكون هو الفرط ويكون هو السابق قبلهم، ويكون هو الشفيع لهذه الأمة، قال: (وإذا أراد هلاك أمة عذبها ونبيها حي فأهلكها وهو ينظر فأقر عينه بذلك؛ لأنهم كذبوه وعصوا أمره).
فبين لنا النبي ﷺ في الحديث أن هذه الأمة أمة مرحومة، أراد الله عز وجل رحمتها، وأخبر صلوات الله وسلامه عليه بأنه ميت، كما أخبره ربه سبحانه: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ﴾ [الزمر: ٣٠] صلوات الله وسلامه عليه، فكان من رحمة ربنا سبحانه أن قبض النبي صلوات الله وسلامه عليه، وانتشر دين الله سبحانه، ورحم الله عز وجل هذه الأمة ببقاء هذا الدين.
نسأل الله عز وجل أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.