تفسير قوله تعالى: (فإما نذهبن بك فإذا منهم منتقمون فإنا عليهم مقتدرون)
قال الله تعالى: ﴿فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ﴾ [الزخرف: ٤١]، أي: إذا قبضناك أو أخرجناك من مكة إلى المدينة فسننتقم من هؤلاء الكفار الذين يرفضون أن يدخلوا في دين الله سبحانه.
وقد توعدناهم بالعذاب، وقد أنذرناهم بطشنا الشديد، فواحد من اثنين: إما أن نذهب بك ونخرجك من عند هؤلاء فننتقم منهم انتقاماً عظيماً، ﴿أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ﴾ [الزخرف: ٤٢]، وأنت موجود فيهم فإنا عليهم مقتدرون، ولذلك لما شدوا على النبي ﷺ مرة من المرات وآذوه الأذى الشديد وآذوا أصحابه دعا ربه سبحانه عليهم فقال: (اللهم أعني عليهم بسنين كسنين يوسف)، فأعانه الله سبحانه تبارك وتعالى عليهم، وضيق عليهم أشد الضيق ومنع عنهم المطر فلا يوجد ماء ولا زروع لهم ولمواشيهم، حتى نفقت المواشي التي عندهم فذهبوا يستجيرون ويطلبون من النبي ﷺ أن يدعو الله أن يكشف عنهم ما هم فيه وهم سيؤمنون بالله ويتبعونه، وناشدوه بالله وبالرحم التي بينه وبينهم، وهو الذي يقول: ﴿قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى: ٢٣]، أي: لا أريد منكم أجراً ولا مالاً، ولكن أطلب منكم أن تراعوا ما بيني وبينكم من القرابة والرحم.
ولما دعا عليهم إذا بالله يضيق عليهم وعانوا من القحط والضيق حتى أكلوا الجلود والميتة وأوراق الأشجار وأكلوا ما وجدوه في الأرض، وذهبوا للنبي ﷺ يستنجدون ﴿ادْعُ لَنَا رَبَّكَ﴾ [الزخرف: ٤٩]، أن يكشف عنا هذا، فإذا به بحنانه وطيبة قلبه صلوات الله وسلامه عليه يدعو لهم.
كان النبي ﷺ قد دعا عليهم بسنين كسني يوسف وهي سبع سنين، فعانوا أياماً قلائل وإذا به يدعو لهم أن يفرج الله عز وجل عنهم ففرج الله عز وجل عنهم، فإذا بهؤلاء يرجعون إلى ما كانوا ولم يؤمنوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، ففعلهم هذا كفعل فرعون وقومه مع موسى النبي صلوات الله وسلامه عليه، والحال من الحال والنتيجة هي النتيجة فلذلك ربنا سبحانه عقب ذلك بذكر فرعون مع موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام.


الصفحة التالية
Icon