تفسير قوله تعالى: (واسأل من أرسلنا قبل من رسلنا)
قال تعالى بعد ذلك: ﴿وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ﴾ [الزخرف: ٤٥]، قال البعض من المفسرين: ﴿وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ﴾ [الزخرف: ٤٥]، أي: اسأل أتباع الرسل الذين دخلوا في دينك، والذين عرفوا أنك على الحق صلوات الله وسلامه عليه، هذا قول.
وقيل: بل اسأل حقيقة الرسل وقد أسري به صلوات الله وسلامه عليه إلى بيت المقدس، قال الله سبحانه: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا﴾ [الإسراء: ١].
ولما وصل بيت المقدس صلى بالأنبياء فأمهم النبي صلوات الله وسلامه عليه، وقيل له: اسأل هؤلاء الأنبياء والرسل هل جعلنا قبلك من إله يعبد غير الله سبحانه تبارك وتعالى؟ وحاشا للنبي ﷺ أن يسأل عن ذلك، فقد علم أن الله سبحانه وحده الذي يعبد لا شريك له، وعلم من القرآن أن كل الأنبياء كانت دعوتهم واحدة أن يعبدوا الله: ﴿مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف: ٥٩].
فلذلك قيل له ذلك على وجه المبالغة في تأكيد توحيد الله سبحانه تبارك وتعالى في قلب النبي ﷺ وعند المؤمنين، والجواب في كتاب الله عز وجل أن كل الرسل دعوا إلى توحيد الله سبحانه، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [المؤمنون: ٢٣]، وقال تعالى: ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ﴾ [الأعراف: ٦٥]، وقال تعالى: ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف: ٧٣].


الصفحة التالية
Icon