تفسير قوله تعالى: (وشجرة تخرج من طور سيناء)
ومما أخرج الله عز وجل بفضله وكرمه لعباده ما قال: ﴿وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلآكِلِينَ﴾ [المؤمنون: ٢٠].
إذاً: أخرج الله عز وجل للعباد ما يأكلون، وأخرج لهم طعامهم وأقواتهم، وأخرج لهم فاكهتهم، ومن ضمن ما أخرج الله عز وجل للعباد: ((شَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ)) أي: أصلها من هذا المكان، وقوله تعالى: ((طُورِ سَيْنَاءَ)) فيها قراءتان: قراءة الجمهور: ((مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ)) بالفتح، وقراءة نافع وأبي جعفر والبصريين: أبي عامر ويعقوب: (من طور سِيناء) بالكسر، وطور بمعنى: الجبل، وسيناء بمعنى: البركة أو المباركة، فالمعنى: من الجبل المبارك، وهذا معنىً من معاني كلمة (سيناء).
وقيل: بل (سيناء) معناها: الحسن، أي: الشيء الحسن، أو الجبل الحسن، أو الجبل الذي فيه الشيء الحسن، وهذا معنىً من معاني كلمة (سِيناء).
وقوله تعالى: ((تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ)) المقصود بها: شجرة الزيتون، وهي شجرة لا تكلف الإنسان ولا يعاني في زرعها، ولكن الله عز وجل يزرعها للإنسان فتخرج سريعة، وهي توجد في الصحراء على شكل بذور تشبه نوى العنب، والله عز وجل يخلقها من غير معاناة للإنسان في زرعها ومراعاتها، بل يخرجها الله عز وجل بأسهل ما يكون للإنسان فيستفيد منها.
وقوله تعالى: ((تَنْبُتُ)) قراءة الجمهور، وقراءة ابن كثير وأبي عامر ورويس: (تُنبِت)؛ لأنه من الفعل الأول الثلاثي نَبَتَ يَنبُتُ تَنبُتُ، ومن الرباعي أَنَبَتَ تُنبِتُ، فقوله: (تَنبُت بالدهن) أي: تخرج هذا الدهن، أو تنبت وفيها هذا الدهن، أو تُنبِتُ أي: تخرج من الأرض وتخرج منها الدهن، وهو الزيت الذي فيه، فوصفه الله سبحانه وتعالى بذلك أنه دهن، وفي سورة النور قال: ﴿مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ﴾ [النور: ٣٥].
فقوله تعالى: ((مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ)) أي: أن شجرة الزيتون شجرة مباركة؛ لما فيها من هذا الزيتون الذي يحتوي على فوائد عظيمة ذكرها العلماء، فتنبت بالدهن أي: بالزيت الذي فيها.
وقوله: ((وَصِبْغٍ لِلآكِلِينَ)) الصبغ: الإدام، فالإنسان يغمس الخبز بالزيتون أو زيت الزيتون ويأكله، أو يجعل الزيتون في طعامه.


الصفحة التالية
Icon