تفسير قوله تعالى: (أن أدوا إلي عباد الله)
لقد أرسل الله موسى إلى فرعون وقومه، قال: ﴿أَنْ أَدُّوا﴾ [الدخان: ١٨] يعني: بأن أدوا إلي عباد الله، فهو مرسل إلى بني إسرائيل ومرسل إلى فرعون لينهاه عما هو فيه من كبر، وعما هو فيه من دعوة أنه الإله والرب.
قال تعالى: ﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ [طه: ٤٥ - ٤٤].
يعني: أن فرعون طغى وتكبر، ومع ذلك فإن الله عز وجل يأمرهما أن يقولا له القول اللين، لعله يستجيب، وهذه عظة لنا أن تكون الدعوة بالقول اللين، كما قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾ [النحل: ١٢٥].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه).
فأمر موسى عليه الصلاة والسلام وهو كليم الرحمن وهو الكريم على الله أن يذهب إلى هذا الحقير فرعون الملعون، ويكلمه كلاماً ليناً؛ لعله يستجيب لدين الله عز وجل، ولعله يطيع، والله يعلم أنه لن يستجيب إلا حين يأتيه العذاب، فلا يستجاب له في دعائه.
فقوله تعالى: ((أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ)) أي: أن أدوا إلي بني إسرائيل، وقد كان بنو إسرائيل في مصر مستضعفين مستذلين، يسخرهم فرعون وقومه في الأعمال الشاقة، وكان يقتل أبناءهم ويستحيي نساءهم، أي: يستبقيهن خادمات في بيوته، وبيوت جنوده، ﴿إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [القصص: ٤].
ثم قال تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ [القصص: ٥ - ٦].
ولا يغني حذر من قدر، فقد قدر الله عز وجل على فرعون الهلاك، فأتاه الهلاك من حيث يظن أنه آمن، فقد قال لقومه: ﴿إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ﴾ [الشعراء: ٥٤ - ٥٦] يعني: نحن قوم كثيرون، وهؤلاء حفنة قليلون، ((وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ))، فنريد أن نخرج إليهم لنقتلهم، أو نرجعهم للخدمة عندنا مرة ثانية.