إنهم جند مغرقون
فلما وصل بنو إسرائيل وجدوا البحر أمامهم، والبحر الأحمر عميق جداً كما هو معروف عنه، وهو بحر مليء بأسماك القرش وغيرها من الأشياء المفزعة، فهم يخافون العبور في هذا البحر، وعندها يأمر الله سبحانه موسى أن يضرب البحر بعصاه، قال تعالى: ﴿وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا﴾ [الدخان: ٢٤]، فلما ضرب بعصاه البحر انفلق أمامهم فشاهدوا آية من آيات الله، فمروا في هذا البحر إلى منتصفة فإذا بفرعون يتساءل: أيكمل أم يرجع؟ ثم يأخذه غروره وعتوه وأشره وبطره فيعبر وقومه وراء موسى عليه الصلاة والسلام، ولم يتنبه إلى المصيبة التي تنتظره في هذا المكان، فهم يريدون إرجاع موسى ومن معه إلى مصر، والله عز وجل يريد لهم الهلاك في هذا المكان، فلما عبر فرعون وقومه البحر وانتصفوا فيه وخرج موسى وقومه من الناحية الأخرى أتى أمر الله عز وجل، فقال لموسى: ﴿وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا﴾ [الدخان: ٢٤]، فكأن موسى لما خرج من البحر أراد يضرب البحر مرة ثانية، فقد ضرب بداية البحر بعصاه فانفلق: ﴿فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾ [الشعراء: ٦٣] أي: أن كل شطر من أشطار البحر كالجبل العظيم، وكأن حاجزاً زجاجياً قد صنع للماء من هنا وهناك، فلما عبر موسى أراد أن يضرب البحر مرة ثانية لكي يهلك فرعون وقومه، فقال الله له: ﴿وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا﴾ [الدخان: ٢٤] أي: اترك البحر وراءك ساكناً كما هو، فلما اكتمل قوم فرعون وجنوده جاء أمر الله، ولم يقل لموسى: اضرب مرة ثانية، فالآن انتقام الله وليس انتقام موسى، وحتى لا ينسب إلى موسى عليه الصلاة والسلام أنه هو الذي أهلك فرعون، فخرج موسى من البحر ومن معه فإذا بالله سبحانه يأمر البحر أن ينطبق مرة أخرى، فانغلق على فرعون ومن معه فأهلكهم الله وأغرقهم ودمرهم سبحانه وتعالى، قال تعالى: ﴿إِنَّهُمْ جُندٌ مُغْرَقُونَ﴾ [الدخان: ٢٤].