تفسير قوله تعالى: (فما بكت عليهم السماء)
قال سبحانه: ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ﴾ [الدخان: ٢٩]، وكأن السماء والأرض تبكيان على الإنسان الصالح، والله عز وجل قد خلق الخلق وجعل لمن يشاء من خلقه أفهاماً سبحانه وتعالى.
فالسماء تمطر بأمر الله، والأرض تخرج كنوزها وزرعها بأمر الله، فكل شيء مسخر بأمر الله سبحانه وتعالى، والله عز وجل قادر على جعل الإحساس فيمن يشاء، فقد كان النبي ﷺ يقول: (إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم علي)، صلوات الله وسلامه عليه، (ويوم أن جاء الجمل إلى النبي ﷺ فأخذ يبكي بين يديه صلى الله عليه وسلم، فأمر ﷺ بصاحب الجمل فجيء به إليه، فقال له: إن جملك يشكو إلي أنك تجيعه وتدئبه).
وهذا جمل آخر تذرف عيناه أمام النبي ﷺ فيجيء أصحاب هذا الجمل فيقول: (ماذا تصنعون معه فإنه يشكوكم إلي؟ فقالوا: إنهم كانوا يعملون على هذا الجمل سنين فلما كبر الجمل اجتمعوا على أن ينحروه، فأمرهم النبي ﷺ أن يتركوه وشأنه)، فالله يجعل فيمن يشاء من خلقه الشعور والإحساس في السماء والأرض.
(وهذا الإنسان المؤمن يصعد عمله الصالح إلى السماء، فإذا مات خرجت روحه فصعد بها إلى السماء، فلا تمر على جسد فيما بين السماء والأرض إلا شموا منها الرائحة الطيبة، فقالوا: ما هذه الروح الطيبة؟ فيقال: فلان، بأحسن أسمائه إلى أن يصل إلى السماء، ثم ينزل إلى الأرض) كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فالمقصود هنا: هو قوله سبحانه: ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ﴾ [الدخان: ٢٩]، ففيها: إخبار ونص، وفيها إشارة، فالنص: أن هؤلاء لا يستحقون أن تبكي عليهم السماء والأرض، ولماذا تبكي عليهم وقد كانوا يسجدون على الأرض ويعبدون غير الله سبحانه؟ وما دفعهم لذلك إلا الخوف والرعب من المخلوقين، وقد كانت أعمالهم السيئة الخبيثة تصعد إلى السماء، فتدعو السماوات والأرض عليهم، ((فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ)) حين أخذهم الله عز وجل، فهنا إشارة بالمفهوم المخالف لهذا أن الله إذا أخذ المؤمنين فإن السماء والأرض تبكيان عليهم.
والأرض تبكي على الإنسان المؤمن لأنه كان يسجد عليها، ويذكر الله عز وجل عليها، وكان يجاهد عليها، وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، والسماء تبكي على الإنسان المؤمن لأنه انقطع عمله، فقد كان يصعد العمل الصالح كل يوم إلى السماء، فهناك خمس صلوات في اليوم والليلة، وصوم، وأعمال صالحة أخرى، فالسماء تفتقد عمل المؤمن حين يموت، فقد كان يصعد إليها كل يوم وكل لحظة عمله الصالح، والأرض تفتقد ما كان يفعله من سجود وعمل صالح وغيره، وأما هؤلاء الأنجاس الملاعين الذين عبدوا الخلق من دون الله عز وجل، فإن الله قال فيهم: ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ﴾ [الدخان: ٢٩]، فلم ينظرهم الله عز وجل ولم يمهلهم سبحانه، بل أخذهم بالعذاب والعقوبة الشديدة يوم أن أعرضوا عن ذكر الله.