نعمة اللبن الخارج من بهيمة الأنعام
قال تعالى: ﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا﴾ [المؤمنون: ٢١]، ومن النعم التي لا بد أن يتفكر فيها الإنسان وهو يأكل ويشرب كل يوم خلق هذا الأكل والشراب وتيسيره له؛ إذ إن من أعظم النعم عليه هذه النعمة، ولذا يذكر الله عز وجل الإنسان بها فيقول سبحانه: ﴿نُسقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ [المؤمنون: ٢١]، وفي هذه الآية ثلاث قراءات: قراءة الجمهور ﴿نُسقِيكُمْ﴾ [المؤمنون: ٢١] والكلمة رباعية، أصلها أسقى، فهي (نسقي)، من الفعل الرباعي، وقراءة نافع وابن عامر وشعبة ويعقوب: (نَسقيكم) من الفعل الثلاثي سقى يسقي، وقراءة أبي جعفر ﴿تسقِيكُمْ﴾ [المؤمنون: ٢١]، وهي كذلك من الفعل الثلاثي.
والنون في (نسقيكم) نون العظمة فهو الذي يفعل ذلك ولو شاء ما فعل سبحانه، وليس بوسع أحد سواه القدرة على ذلك، والفعلان على القراءتين (أسقى) و (سقى) يتعديان إلى المفعول، ولهذا قال: ﴿نسقِيكُمْ﴾ [المؤمنون: ٢١] أي: نجعلكم تشربون مما في ضروعها من ألبانها، والمعنى واحد: أن الله عز وجل سقاك وأسقاك مما في بطون هذه البهيمة من الأنعام، من الإبل والبقر والغنم.
أما القراءة الأخيرة فهي بالتاء بدلاً عن النون ﴿تسقِيكُمْ﴾ [المؤمنون: ٢١]، فأسند الفعل إليها، فهي تسقيكم، وإن كان الذي أسقاك حقيقة هو الله سبحانه وتعالى، ولكن أسند الفعل إليها كونها سبباً، فأنت تأخذ من ضروعها الألبان فتشربها.
قال الله: ﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ﴾ [المؤمنون: ٢١]، فهي من كثرتها لا تعد ولا تحصى ولكن من تعامل مع نعمة عرفها.
ولفظ بهيمة الأنعام يطلق على ثلاث: الإبل والبقر والغنم، وقد ذكر الله عز وجل أنها ثمانية أزواج: من الضأن اثنين ومن المعز اثنين ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين، وهنا ثمانية أزواج أي: ذكوراً وإناثاً، فعد اثنين من الإبل الذكر والأنثى، واثنين من البقر الذكر والأنثى، والجواميس ملحقة بالأبقار، واثنين من الغنم الذكر والأنثى، والماعز ملحقة بها وإن كان نص عليها هنا في الآية.
فهذه كلها نشرب من ألبانها، ومن تقدير الله وفضله أن هذه الألبان كما توافق الإنسان توافق غيره وهي أفضل الطعام والشراب، وقد جاء في الحديث أن النبي ﷺ كان إذا أكل طعاماً أو شرب شراباً دعا ربه فحمده على ما أعطاه وسأله أن يرزقه خيراً من ذلك، ومن دعائه: (اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وزدنا خيراً منه)، إلا اللبن فكان يقول: (وزدنا منه، فإنه لا شيء يجزئ مثل اللبن)، إذ أن اللبن طعام وشراب للإنسان.