تفسير قوله تعالى: (ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق)
قال الله تعالى: ﴿مَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ﴾ [الأحقاف: ٣] أي: أن الله خلق السماوات وخلق جميع الخلق متلبساً بالحق، وخلقها ليحق الحق ويري عباده قدرته سبحانه، وأنه الإله الحق وحده لا شريك له.
قوله: ((مَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ)) أي: كذلك خلق الأرض بالحق سبحانه، وأنزل فيها الكتاب وأنزل الميزان، فعلم العباد كيف يصنعون بهذا الميزان، وأنزل الشريعة ليحكم بينهم بالعدل، وأرسل فيهم الرسل ليعلمهم ذلك، فعرف العباد العدل وعرفوا الحق، فما ضلوا وأضلوا إلا بعدما عرفهم الله سبحانه وتعالى الحق، فبغى بعضهم على بعض، وحسد بعضهم بعضاً، فالله ما خلق السماوات والأرض إلا بالحق سبحانه.
قوله: ((وَأَجَلٍ مُسَمًّى)) أي: خلق السماوات وخلق الأرض لأجل مسمى، فإذا جاء الأجل الذي قدره الله سبحانه وتعالى، إذا بالكواكب والنجوم والشمس والقمر كل هذه الأشياء تهوي، وإذا بالسماء تنكشف وتزول، ﴿وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ﴾ [التكوير: ١١]، وكذلك إذا بهذه الأرض والجبال التي فيها ﴿يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا﴾ [طه: ١٠٥ - ١٠٧] أي: أن كل شيء له قدر مقدور، وله وقت معلوم عند الله سبحانه، فإذا جاء ذلك الوقت إزاله وأفناه من مكانه سبحانه.
قال: ((وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ)) أي: أن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق بالحق، وعلم العباد ما هو الحق، وجعل لهم أجلاً محدوداً وعمراً معدوداً لن يتجاوزه أحد، وفي النهاية يرجعون إلى الله سبحانه، ولكن الكفار يكذبون، ومع ذلك هم لا يضرون الله شيئاً وإنما يضرون أنفسهم.
فقوله: ((وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ)) يعني: عن الذي أنذروا به، فقد أنذرهم الله عز وجل بالساعة، وأنذرهم بالحساب وبالجزاء وبالعقاب بالنار، فهم معرضون عن هذا كله، متشاغلون بالدنيا، مستهزئون بما جاءهم من عند ربهم، مدبرون لاهون غير مستعدين ليوم الحساب.