تفسير قوله تعالى: (ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له)
قال الله عز وجل: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ﴾ [الأحقاف: ٥] أي: من أشد ضلالاً وأبعد في التيه وفي الغباء ((مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)) أي: لو بقي الشخص جالساً أمام الصنم إلى يوم القيامة فلن يرد عليه، فمن أغبى من هذا الإنسان الذي يدعو صنماً من دون الله: يا هبل! اعملي لي كذا، يا لات اعملي لي كذا، يا عزى اعملي لي كذا!، وهو يعلم أنها لا تنفع ولا تضر، وكم رأى هؤلاء المشركون من أصحاب النبي ﷺ أفعالاً بهذه الأصنام، ففي المدينة كان البعض منهم في وقت كفره يعبد صنماً من دون الله عز وجل، فيأتي إليه ابنه وقد أسلم مع النبي صلوات الله وسلامه عليه فيلطخ هذا الصنم بالعذرة، فيجيء الأب فيراه ويتعجب ويقول: من الذي عمل هذا في المعبود الذي أعبده؟ وينظف الصنم ويرجعه إلى مكانه مرة ثانية، فيأتي الابن ويصنع به مثل ما صنع به في المرة الأولى، إلى أن تكرر هذا الفعل أكثر من ثلاث مرات، فقام الأب المشرك فأعطى الصنم سيفه وقال: دافع عن نفسك! دافع عن نفسك! فيجيء الابن فيأخذ الصنم فيرميه منكساً في الخلاء بين العذرات، فيجيء الرجل فينظر إلى هذا الصنم ويعلم أنه لا ينفع ولا يضر فيقول له: إن العنزة لتدفع عن نفسها، وأنت لم تدفع عن نفسك شيئاً، لو كنت إلهاً لم تكن في هذا الذل الذي أنت فيه، فتركه وذهب إلى النبي ﷺ وأسلم، فهذا كان تفكيرهم، وهكذا كانت عقولهم، فقد وصلت بهم إلى أن يعطي للصنم سيفاً، فأين عقله الذي عنده؟! ولما دخل في الإسلام كان يضحك على نفسه، ويقول: أنا كنت أعطي السيف للصنم من أجل أن يدافع عن نفسه؛ ولذلك يذكر الله عز وجل هؤلاء المشركين بمثال يدل على غبائهم، وكيف أنهم يعبدون هذه الآلهة من دون الله! قال تعالى: ﴿كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ﴾ [الرعد: ١٤]، فهل ذا فعل عاقل؟ لو قام واحد إلى النهر ووقف وقال له: تعال يا ماء أنا عطشان وظل يناديه إلى أن تقوم القيامة، فلن يستجيب له الماء، ولن يأتي إلى فمه، فليس عاقلاً من يصنع ذلك، وكذلك الذي يزعم أن الصنم ينفع من دون الله ويضر، ويعبد الصنم، ويدعوا الصنم ويذبح للصنم، ويتقرب إليه.
وهذا ربنا سبحانه وتعالى يقول: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: ٦٠]، فكيف تدعو صنماً من دون الله عز وجل؟ وكذلك كل من دعا شيئاً من دون الله عز وجل، كأن يذهب إلى أموات قد ماتوا وذهبوا إلى ربهم سبحانه، سواء كانوا صالحين أو كانوا غير ذلك، ويدعوهم من دون الله: يا سيدي فلان! اعمل لي كذا، والله عز وجل يقول: ((أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ)) أي: تعبد أمواتاً غير أحياء، ((وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ))، فالميت في قبره سواء كان هذا الميت نبياً أو ولياً أو رسولاً، هذا الميت لا يعرف متى تقوم الساعة، فقد دخل قبره وانتهى أمر الدنيا وأمر التكليف، وهو الآن في انتظار الساعة وهو في قبره، فلما يخبر الله عز وجل عن الأصنام هذه، يقول: هي مثل هذه الأموات، ﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ * إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ [النحل: ٢١ - ٢٢] أي: الله عز وجل لا إله إلا هو سبحانه.
وقال سبحانه: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف: ٥٩].
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.