الجن يعلنون إسلامهم ويدعون قومهم إلى الإسلام
يقول الله عز وجل ((وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا)) والنفر: هو المجموعة من الجن، وقد جاءوا للنبي صلوات الله وسلامه عليه، ((يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ))، فبعد أن كان يذهب إلى الإنس يسمعهم القرآن جاء إليه الجن ليستمعوا له، فقالوا: (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا} [الجن: ١] أي: هذا كلام عظيم جميل، ﴿يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا﴾ [الجن: ٢].
يقول هنا ربنا سبحانه ((فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا)) أي: أمر بعضهم بعضاً بسماع الكلام من النبي صلى الله عليه وسلم، فجلسوا ساكتين يستمعون القرآن، وهذا من أدبهم، وكان مما تلى عليهم ﷺ سورة الرحمن، وهي تلقب بعروس القرآن، وقد تلاها النبي ﷺ على الصحابة فسكتوا لما سمعوها، فقال: (لقد كانت الجن أحسن رداً منكم)؛ لأنهم سمعوا واستوعبوا من النبي صلى الله عليه وسلم، فكان كلما تلا عليهم ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ [الرحمن: ١٣] يقولون: ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد، فتليت عليهم إحدى وثلاثين مرة، وهم يرددون: ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد.
قال الله تعالى: ((فَلَمَّا قُضِيَ))، أي: لما انتهى النبي ﷺ من قراءة القرآن على هؤلاء ((وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ)) أي: ينذرون قومهم ويخوفونهم ويقولون لهم: ((يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ))، ففي هذه المرة دعا النبي ﷺ الجن فرجعوا إلى قومهم منذرين، وجاءوا إليه أيضاً مرة أخرى، ففي صحيح مسلم عن معن يذكر عن أبيه عن مسروق أنه سأل: من آذن النبي ﷺ بالجن ليلة استمعوا القرآن؟ أي: من أعلم النبي ﷺ بأن الجن يسمعون منه القرآن؟ فقال: حدثني ابن مسعود رضي الله عنه أنه آذنته بهم شجرة.
وهذه معجزة من الله عز وجل لنبيه ﷺ في أن الجن جاءوا ليستمعوا منه القرآن، وحتى لا يخاف النبي ﷺ من الجن آذنته شجرة، فجاء الجن وسمعوا منه.