الحكمة من الغلظة على الكافرين المحاربين
قال تعالى: ﴿فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [محمد: ٤]، منوا على هؤلاء بأن تعلموهم دين الله سبحانه، فإذا كان لا فائدة، فاقتلوا الذين كفروا، كما قال سبحانه: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ﴾ [التوبة: ٥]؛ لأنهم إن ظهروا عليكم لا يرقبون فيكم إلاً ولا ذمة.
وكان النبي ﷺ يرسل بعوثه وسراياه صلوات الله وسلامه عليه وجيوشه فيقول لأميرهم: (إذا لقيت عدوك من المشركين، فادعهم إلى واحدة من خصال ثلاث) أي: ولا تقاتلهم مباشرة، قال: (ادعهم إلى الإسلام، فإن هم أطاعوا فكف عنهم، واقبل منهم)، إذاً: فالأمر ليس لمجرد القتال فقط، ولكن ابدأ بدعوة هؤلاء إلى دين الإسلام، فإن قبلوا منك هذا فهو المطلوب، فإذا لم يقبلوا الإسلام أتيت بالخصلة الثانية، قال: (ادعهم إلى أن يدفعوا الجزية، فإن قبلوا منك ذلك فخذ منهم وكف عنهم، فإذا رفضوا ذلك وأبوا إلا المقاتلة، فاستعن بالله وقاتلهم، فإذا قاتلت هؤلاء فافعل بما أمر الله عز وجل، ﴿فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ﴾ [محمد: ٤]) أي: قاتل قتالاً شديداً ابتغاء وجه الله عز وجل، كما قال: ﴿وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ﴾ [آل عمران: ١٣٩ - ١٤٠]، فأنتم الأعلون عند الله عز وجل، فإنها إن تصبكم جراحات في القتال فقد أصابت اعداءكم، فهل يكونون أصبر منكم على الجراح وعلى القتل؟ وكيف يكونون أصبر منكم وأنتم موعودون بالجنة عند الله عز وجل؟! فلكم الأجر العظيم والقرب من الله سبحانه في الآخرة، ولكم في الدنيا النصر والغنيمة، فلا تكونوا أقل شأناً من أعدائكم.
قال تعالى: ﴿فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا﴾ [محمد: ٤] أي: فقاتلهم قبل أن تسالم أو تداهن؛ حتى توهن عدوك، وحتى يعرف قدرتك، ثم تكلم عن السلم بعد ذلك وأنت غالب قوي، أما وأنت ضعيف فليس لك عند عدوك شأن حتى يقبل منك شيئاً، فلا تبدأ بطلب السلم بل جاهد وقاتل في سبيل الله حتى تضعف خصمك، وحتى ينصرك الله سبحانه وتعالى.
قال: ﴿فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ﴾ [محمد: ٤]، الإثخان في العدو: أي: إكثار القتل فيه، يقال: أثخنه جراحاً: أي: أسال دمه وأكثر فيه القتل والجراحات: ﴿حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ﴾ [محمد: ٤]، الوثاق: الربط والقيد، يعني: أسر الأعداء، ثم لكم أن تمنوا عليهم بعد انتصاركم عليهم، ولكم أن تقبلوا الفدية، ولكم أن تدعوهم إلى دين الله عز وجل مرة ثانية، لعلهم يدخلون في دين الله سبحانه وتعالى.


الصفحة التالية
Icon