تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم)
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
أما بعد: قال الله عز وجل في سورة محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾ [محمد: ٧ - ٨].
وعد الله عز وجل المؤمنين بالنصر إذا نصروا دين الله سبحانه، ووعدهم أن يخزي أعداءه ويهزمهم ويجعل لهم التعاسة والخيبة والشقاء والخسران والوبال والهلاك، ﴿وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا﴾ [النساء: ١٢٢].
والإنسان المؤمن حين يتأمل في تاريخ دعوة النبي ﷺ إلى ربه، ثم الصحابة من بعد النبي ﷺ كيف دعوا إلى الله عز وجل، وكيف نصروا دين الله فنصرهم الله سبحانه تبارك وتعالى؛ يزداد يقيناً في أن النصر يكون مع أخذ أسباب هذا النصر، وأعظم الأسباب الإيمان، واليقين، وأيضاً الاستعداد، قال عز وجل: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾ [الأنفال: ٦٠]، فليس الأمر أن يقول الإنسان: أنا مسلم، وإذا كنت مسلماً فلازم أن أنتصر، ليس كذلك؛ فإن الله عز وجل يقول: ﴿فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ﴾ [الأنفال: ٦٦]، وهنا قيد (أن تعدوا) ويكون العدد قريباً من عدد العدو، أو يكون أقل من عدد العدو، ولكن ليس عدداً قليلاً جداً، فلتكن مائة أمام مائتين وألف أمام ألفين من الأعداء، فإن أعددتم لهذا العدو العدة فالله عز وجل ينصركم.
فانتصاركم يكون باستعدادكم الإيماني، واستعدادكم البدني، وإعدادكم القوة والسلاح لحرب هؤلاء الكفار، وبثقتكم في الله سبحانه، وبالتوكل على الله سبحانه، وبأخذ الحذر من كيد الكفار، فهنا بيان أن الإنسان المؤمن ينتصر بالإعداد ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الحرب خدعة)، وأنت مع الكافر إما أن تهزمه فتقتله، وإما أن تُهزم وتُقتل وتُغلب، فالإنسان إما غالب وإما مغلوب.
فإذاً لا تضيع الأخذ بالأسباب؛ حتى لا تضيع نفسك، وتضيع دين الله سبحانه.