تفسير قوله تعالى: (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم)
قال تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ [محمد: ١٠]، ﴿أَفَلَمْ﴾ [محمد: ١٠]: تعجب من شأنهم، أي: أما ساروا في الأرض هؤلاء؟ وأكثر الناس بحثاً عن الحفريات وعن الآثار، وأكثر الناس سياحة في الأرض هم الكفار، فقد ساروا في الأرض ورأوا آثار السابقين، أفلا يدفعهم ذلك إلى الإيمان برب العالمين، وقد قال سبحانه: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [فصلت: ٥٣]، يرون الآية تلو الآية، ولا يؤمنون، ومن الآيات عثور الكفار على أقدم نسخة من الأناجيل، وهو إنجيل يهوذا ووضعوه تحت الإشعاع فعرفوا أن هذا الإنجيل كتب سنة مائتين أو قبلها من ميلاد المسيح عليه السلام، وهذا الإنجيل يخالف عقائد النصارى، وفيها أن اليهود يقولون: إن المسيح سأل من يكون مقامي؟ يعني: من يصلب مكاني؟ فتثبت أن المسيح لم يُقتل، قال تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ﴾ [فصلت: ٥٣] وفيها أن يهوذا هو الذي صلب وليس المسيح، قال تعالى: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ﴾ [النساء: ١٥٧].
فسبحان الله الذي يري هؤلاء الآيات، ويا ترى هل يقودهم ذلك إلى الإيمان؟ هذا بعيد جداً إلا من رحمه الله سبحانه وتعالى، فهم كرهوا ما أنزل الله، وأعجبتهم الدنيا ورضوا بها.
وهذا هرقل عرف النبي صلى الله عليه وسلم، وامتحن أبا سفيان وكان أبو سفيان كافراً، وسألوه عن النبي ﷺ عشرة أسئلة كلها تؤكد لـ هرقل أن محمداً نبي حتى كاد أن يسلم، ثم ضن بملكه، ورفض أن يدخل في دين الله سبحانه بعدما دعا قومه إلى أن يتابعوا النبي صلوات الله وسلامه عليه، فترك الآخرة وطلب هذه الدنيا، قال الله عز وجل: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ * أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ [محمد: ٩ - ١٠]، كيف كان جزاؤهم؟ كيف كانت نهاية السابقين؟ ﴿دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ [محمد: ١٠]، يقال: دمرهم، ودمر عليهم، دمرهم، أي: من الداخل في أنفس هؤلاء، ودمر عليهم أي: فيها ما فيها من الهول، ويكون العذاب من فوقهم، وفيه ما فيه من الرعب.
فقوله تعالى: ﴿دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ [محمد: ١٠] أي: أنزل عليهم الدمار من فوقهم فأهلكهم الله سبحانه وأبادهم، واستأصلهم، ﴿وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا﴾ [محمد: ١٠]، ليس العذاب لهؤلاء فقط، بل إن كل كافر يكفر بالله عز وجل له يوم عند الله عز وجل يذيقه فيه ما يشاء من عذاب أليم.