ذكر بعض أشراط الساعة
قوله: ﴿فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا﴾ [محمد: ١٨] ما هي أشراط الساعة؟ جاءت أحاديث في ذلك، منها ما في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويظهر الجهل، ويشرب الخمر، ويظهر الزنا)، فهذه من أشراط الساعة، والساعة لها علامات كبرى، وهذه من العلامات الصغرى، وكلها تقع بين يدي الساعة، فإذا حدثت هذه الأشياء فانتظروا الساعة فإنها قريبة.
وقوله: (إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم) يعني: يجهل الناس الدين، وفي أيام النبي ﷺ كانوا يهتمون بحفظ كتاب الله عز وجل، وبحفظ أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يزالوا هكذا قروناً وراء قرون وراء قرون، إلى أن بدأ الناس يتركون دين الله، وبدأ يقل حفظهم لكتاب الله ولسنة النبي صلى الله عليه وسلم، حتى تجد الرجل الآن لعله لا يحفظ الفاتحة، فتقول له: اقرأ الفاتحة فلا يعرف يقرأ الفاتحة، وكم تسمع من ذلك، بل تجد إنساناً كبيراً في السن ويصلي وعمره نحو ثلاثين أو أربعين سنة أو أكثر فتقول له: اقرأ لي الفاتحة، فيخطئ فيها، ولا يعرف أن يقرأ الفاتحة، وما أكثر هؤلاء رجالاً ونساءً، فيضيع العلم، حتى القرآن العظيم ينسى، فترى الإنسان الذي يتكلم عن القرآن يقول لك: ربنا يقول كذا، ويأتي بمثل من الأمثلة! لا يفرق بين القرآن وبين كلام البشر! وقوله: (يرفع العلم ويظهر الجهل)، أي: يتأصل الجهل في نفوس الناس، فإذا بهم يجهلون القرآن ويجهلون السنة، ويتكلم كل إنسان بما ليس في دين الله عز وجل، بل ويثبتون عكس ما في كتاب الله عز وجل، فتسمع الناس يتكلمون، فيقوم الواحد منهم يقول لك: ما هو المانع من هذا الشيء؟ لا مانع يمنع من هذا الشيء، الحجاب الذي تذكرونه عليه، ليس هناك آية في القرآن تقول: حجاب، فالحشمة تكفي، والمهم الإيمان في القلب، واللباس لباس التقوى، ونحو هذا الكلام الفارغ، فهذا الذي يقول هذا الكلام هل قرأ القرآن فعلاً حتى يقول: ليس في القرآن آية تأمر المرأة بالحجاب؟ والله عز وجل يقول: ﴿يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ﴾ [الأحزاب: ٥٩]، فهذا لا يقرأ القرآن ولا يعرف شيئاً من القرآن، وإنما الإنسان منهم ينظر في التلفزيون أو يستمع من الراديو أو يقرأ الصحف، ويتكلم ويقول: المتطرفون والمتزمتون يقولون: هذه آيات من القرآن وهذه أحاديث من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول هذا المجرم الجاهل: ليس هذا في كتاب الله ولا في سنة النبي صلى الله عليه وسلم! فمن أين أتوا لنا بهذا الكلام؟ ولو أنه قرأ وكلف نفسه أن يختم القرآن ختمة واحدة، لعرف ما في القرآن، ولكن الجهل الذي ثبت ورسخ في قلوب هؤلاء المجرمين هو السبب، فنسوا الله سبحانه ونسوا سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
ويأتي إنسان آخر فيقول: ويقولون: أهل الكتاب كفرة، هؤلاء مسلمون، فلقد سمعنا من يقول: أهل الكتاب مسلمون، أهل الكتاب مؤمنون! والله عز وجل يقول: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ﴾ [المائدة: ٧٣]، فربنا يقول هذا الشيء، وهذا يقول: ليس في القرآن هذا الشيء، وإنما هؤلاء يريدون أن يكفروا الناس، فكلنا مسلمون وكلنا مؤمنون، وكلنا كذا! ونحو هذا الكلام الخبيث الكاذب، ويقول هؤلاء الخبثاء: ابعد عن القرآن وابعد عن السنة! ثبت الجهل في قلوبهم فإذا بهم يتركون الدين وراء ظهورهم ولا يعرفون شيئاً من دين الله سبحانه تبارك وتعالى.
قوله: (ويشرب الخمر) يعني: أن الناس يشربون الخمر، وهذه من علامات الساعة؛ فالمحلات في كل مكان مليئة بالخمور، ولا تستطيع أن تنكر؛ فإن صاحب المحل يأخذ رخصة من الدولة من أجل أن يعمل الخمر ويصنعها، ومن أجل أن يبيعها، ويأتي إليه أصحاب الضرائب فيأخذون عليه الضرائب؛ لأنه في زعمهم من ضمن الرعية الموجودين، وله أن يشرب الخمر وأن يبيع الخمر، ولا شيء عليه طالما أن القانون يبيح هذا الشيء، وأما دين ربنا سبحانه تبارك وتعالى فليس بمهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله! ولا ننتظر إلا أن يأتيهم عذاب رب العالمين، وإلا أن يخزيهم الله سبحانه، وإلا أن يسلط عليهم أنفسهم وأعداءهم، فتسلط عليهم الكفار، ففي كل يوم يستهينون بدين الله عز وجل، ويستهينون بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهم في غفلة، وهم فقط يدافعون عن أنفسهم ويدافعون عن أمر هذا الدين الذي يزعمونه ولا يعرفون شيئاً عن كتاب الله ولا عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقوله: (يظهر الزنا) يعني: ما كان مستوراً مختبئاً يصير ظاهراً أمام الناس، وأصبح لا مانع من مواخير في بلاد المسلمين، وأصبحت هناك أماكن يذهب إليها الناس للهو وللزنا وللعبث، ولا أحد يتكلم في هذا الشيء، وطالما أن الذي يفعل هذا والتي تفعل هذا راضيان فلا مانع عندهم في القانون، وحين يقبض على أحد من الناس زنى بزوجة إنسان فإنهم يسجنونه شهرين ويخرجونه! فأين أحكام كتاب الله عز وجل؟ ثم بعد ذلك يأتي الكفار ويقولون لهم: لا بد من تشريعات في بلادكم للإباحة الجنسية، لماذا لا يكون فيها إباحة جنسية؟! أين الحرية الجنسية؟! فصدق رسول الله ﷺ حين قال: (يظهر الزنا) أي: يفشوا بين الناس، ولا حول ولا قوة إلا بالله! قال: (وتكثر النساء، ويقل الرجال، حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد)، وسيكون ما أخبر به النبي صلوات الله وسلامه عليه.
أيضاً يقول صلى الله عليه وسلم: (إن من أشراط الساعة أن تقاتلوا قوماً ينتعلون نعال الشعر، وإن من أشراط الساعة أن تقاتلوا قوماً عراض الوجوه، كأن وجوههم المجان المطرقة)، وهذا القتال سيكون بين المسلمين وبين الروم، وبين المسلمين وبين الترك، وبين المسلمين وبين الكفار أهل الغرب، فهنا يخبر النبي ﷺ أنه لن تقوم الساعة حتى يحصل قتال، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ما كان المسلمون أبداً يقولون: إنه سيغزونا الكفار إلى بلادنا، ونحن غزونا العالم كله، وكان الخليفة في أيام الخلافة الإسلامية يقول: اذهبي -يا سحابة- إلى أي مكان فسيأتيني خراجك، أما الآن فالخراج يأخذه الكفار من بلاد المسلمين عنوة وغصباً وعدواناً، ينزلون إلى بلاد المسلمين ويقولون: نحن ندافع عنكم! نحن نريد أن نثبتكم على كراسيكم، فادفعوا لنا ثمن أننا نحارب في المكان الفلاني، وادفعوا لنا في اليوم مليون دولار من أموال بترولكم، ودعونا نأخذ البترول نتصرف فيه مثل ما نريد، فيحتلون بلاد المسلمين، وصدق رسول الله ﷺ حين أخبر أنه لا تقوم الساعة حتى يحدث ذلك، فحصل الذل على المسلمين بتفريطهم في دينهم، فإذا فرط الإنسان في دينه فإن الله لا يدافع عنه؛ لأن الله لا ينصر إلا المؤمنين، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [الحج: ٣٨].
أما إذا كانوا ليسوا بمؤمنين فكيف يتوقعون أن يدافع الله عز وجل عنهم، وهم يحاربون الله، ويحاربون دين الله سبحانه تبارك وتعالى؟ وفي حديث آخر ذكر فيه بعض هذه الأشراط الصغرى، قال صلى الله عليه وسلم: (من أشراط الساعة أن يتباهى الناس في المساجد)، هذا الحديث رواه أبو داود والنسائي وهو حديث صحيح، فمن أشراط الساعة المباهاة، فالمسجد هو مكان للعبادة لا للمباهاة، لكن ترى من يقول: مسجدنا أحسن مسجد، ومسجدنا جعلناه على شكل الكعبة، وآخر يقول: مسجدنا جعلناه مثل المسجد النبوي، وعملنا فيه قبباً، وعملنا فيه مئذنة طويلة، وعملنا فيه كذا، ولوناه بأحمر وأسود، ونحو ذلك! فالتباهي بالمساجد وعدم الصلاة فيها من أشراط الساعة، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ [التوبة: ١٨]، وعمران بيوت الله عز وجل يكون بالصلاة فيها، وليس المعنى: أن المسجد لا يبيض ولا ينظف؛ بل النبي ﷺ صلى على المرأة التي كانت تنظف المسجد، صلى عليها وهي في قبرها، وكانت قد دفنت من غير ما يؤذن النبي ﷺ بها.
ولكن المعنى: أنه سيقل الإيمان ويبقى فخر الناس فقط بقولهم: عندنا مسجد كبير، وكثير منهم لا يصلون فيه، بل إن بعض الناس يكون في مكة، ويبقى فيها سنين وما صلى في المسجد الحرام! لا يصلي وبجانبه الكعبة، وبجانبه المسجد الحرام، ولا اعتمر ولا حج ولا يعرف شيئاً! وبعض الناس من أصحاب الشركات السياحية يخرج بالناس ليؤدوا العمرة، وعندما يريد أن يعتمر يلبس لبس الإحرام، فإذا أغضبه أحد يخلع لباس الإحرام ويقول: لن أعمل عمرة هذه السنة، فهذا دينهم، ﴿نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ﴾ [الحشر: ١٩]، فظهر الجهل بين الناس، وقل العلم، وقل الدين، فلم ينتظروا إلا الهوان في الدنيا، وما لجرح بميت إيلام.
نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.


الصفحة التالية
Icon