تفسير قوله تعالى: (فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة)
قال الله تعالى: ﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ﴾ [محمد: ١٨]، فتأتي ساعة أحدهم أو تأتي القيامة الكبرى عليهم، قال تعالى: ﴿فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا﴾ [محمد: ١٨]، أي: قد جاءت أشراط الساعة، ومن أشراط الساعة أن بعث النبي صلوات الله وسلامه عليه، وأخبر أنه بعث هو والساعة كهاتين، وأشار بالأصبعين الوسطى والسبابة، فسبقت واحدة والأخرى تليها مباشرة، فالفترة الزمنية التي بين النبي ﷺ وبين قيام الساعة فترة صغيرة وقليلة جداً من هذه الدنيا.
وقال تعالى: ﴿أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً﴾ [محمد: ١٨] أي: إذا جاءت الساعة جاءت بغتة تذهل الناس، وترجع الناس فيأخذهم الله سبحانه وتعالى.
قال تعالى: ﴿فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ﴾ [محمد: ١٨]، أي: كيف ومن أين لهم إذا جاءتهم هذه الساعة أن يتذكروا؟ أي: متى يتاح لهم أن يتذكروا، يأتي الموت ثم تأتي الساعة، ولا يلحق الإنسان أن يتذكر التذكرة التي تنفعه في العمل، فإنه إذا رأى الموت رأى ما كان غائباً عنه قبل ذلك، فلا تنفعه الذكرى، ولا تنفعه التوبة، ولا يستطيع أن يقول: تبت إلى الله، بل يختم عليه ويمسك لسانه، فلا يقدر أن يقول: لا إله إلا الله، أو أن يقول: تبت إلى الله، قال تعالى: ﴿لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا﴾ [الأنعام: ١٥٨].
فقوله تعالى: ﴿فَأَنَّى لَهُمْ﴾ [محمد: ١٨]، أي: من أين وكيف لهم أن يتذكروا فينتفعوا بهذه الذكرى؟ فأنى لهم إذا جاءتهم الساعة أن يتذكروا وأن ينتفعوا بذلك، وأن يناجي بعضهم بعضاً، فيذكر بعضهم بعضاً، والحق أنَّ الساعة ستقوم، بل تأتي الساعة عليهم كما جاء في حديث النبي ﷺ أنهم قد يكونون في سوقهم يتبايعون، يبيع الرجل الثوب ويمده ويمتره ويذرعه، وهذا يشد وهذا يشد وهذا يقيس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ينفخ في الصور فإذا بهم يسمعون صوت نفخة، فيصغي الرجل ليتاً ويرفع ليتاً) والليت: جانب العنق، يصغي: يميل ليسمع ما هو هذا الصوت، فلا يلحق بل يخر ميتاً، وذكر أن إنساناً آخر يلوط حوض إبله، أي: يحضر الحوض الذي سيسقي فيه إبله ويجهزه، ولا يلحق أن يأتي الإبل ويسقيها، فإذا به يسمع النفخ في الصور فيخر صعقاً، والرجل يمسك اللقمة يرفعها إلى فيه، فيسمع الصوت ويصغي له، ولا يلحق أن يأكل اللقمة، ويخر ميتاً.
فمتى يتذكرون؟ ومتى يعتبرون؟ ومتى يدعو بعضهم بعضاً؟ ومتى يذكر بعضهم بعضاً وينادي بعضهم على بعض أن الساعة حق؟ ومتى يلحقون قول لا إله إلا الله قبل أن تقوم الساعة؟ أنى لهم ومن أين لهم هذا الشيء؟ لا يقدرون.
فقد جاء من الله عز وجل أشراط، أي: علامات لهذه الساعة، جاءت العلامات الصغرى لعلهم يعتبرون قبل أن تأتي الكبرى، وقبل: ﴿لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ﴾ [الأنعام: ١٥٨].