تفسير قوله تعالى: (فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك)
يقول سبحانه: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ﴾ [محمد: ١٩]، (فَاعْلَمْ)، وهو يعلم عليه الصلاة والسلام، وهو الداعي إلى الله عز وجل والداعي إلى هذه الكلمة، والعلم المذكور هنا ليس العلم المنافي للجهل وإنما المنافي للشك، فالجميع يعلمون أن الله عز وجل هو الخالق الرازق البارئ القادر على كل شيء سبحانه تبارك وتعالى، ويعلمون ربوبية الله سبحانه تبارك وتعالى؛ ولذلك لم يجادل أحد من الكفار في أن الله هو الرب، بل هم مقرون بذلك، ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [الزخرف: ٨٧].
وهذا أمر مفروغ منه عند الكفار ومثل المسلمين، ولا يجادلون في هذا الشيء، فهو الذي يأتي بالشمس من المشرق، وهو الذي يخفي الشمس في المغرب، فلا يوجد أحد من آلهتهم يزعمون أنها تفعل ذلك، لكن الأمر فيمن يعبدون، فمن يعبدون؟ وإلى من يتوجهون في العبادة؟ فقال الله لنبيه ﷺ وللمؤمنين وللخلق جميعهم: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [محمد: ١٩] أي: استيقن من ذلك، فقد علمتم أن الآلهة التي تعبدونها لا تنفع ولا تضر، فاستيقنوا يقيناً لا شك فيه أن الإله المستحق للعبادة هو الرب الذي ينفع ويضر ويرفع ويخفض ويعز ويذل سبحانه، فاعلم أنه هو وحده المستحق للعبادة.
ولقد زينت الشياطين للمشركين أن يعبدوا الأصنام بحجة أنها توصل إلى الله، وكأنهم يتواضعون وأنهم لا يقدرون أن يوصلوا إلى ربنا دون واسطة، وهو يخبرنا أنه ليس كذلك، قال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: ١٨٦]، والله عز وجل قريب من عباده، ولا داعي أن تجعل الواسطة بينك وبين الله سبحانه تبارك وتعالى.


الصفحة التالية
Icon