الحث على الاستغفار للنفس وللمؤمنين
قال: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [محمد: ١٩] أي: استيقن بذلك، ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾ [محمد: ١٩]، فأمر النبي ﷺ بالاستغفار، وقد قال الله عز وجل له: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾ [الفتح: ٢]، فهو مغفور له ذنبه، وهو معصوم عليه الصلاة والسلام من أن يقع في شيء يغضب ربه سبحانه تبارك وتعالى.
إذاً كأنه يعلم المؤمنين إذا كان النبي يستغفر ويكثر من الاستغفار فأنتم أولى أن تستغفروا ربكم سبحانه.
﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾ [محمد: ١٩] أي: استغفر إن وقع منك ذنب، واستغفر ليثبتك الله عز وجل على الهدى فلا تقع في ذنب، وقد كان عليه الصلاة والسلام يجلس في المجلس الواحد ويقول: (إني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة)، بل كانوا يعدون له في الجلسة الواحدة سبعين مرة يستغفر فيها الله عز وجل ويتوب إليه صلوات الله وسلامه عليه.
﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [محمد: ١٩]، فأمر النبي ﷺ في هذه الآية أن يستغفر لنفسه وأن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات أيضاً، وقد علمنا النبي ﷺ ألا نبخل بالدعاء، فالإنسان البخيل الذي يبخل بالدعاء لإخوانه المسلمين كأن يقول: رب اغفر لي واغفر لفلان واغفر لفلان، والبخيل من دعا لنفسه فقط، ولذلك الأعرابي الذي قال أمام النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم! ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً، شبهه النبي ﷺ ببعير أهله وقال: (لقد حجرت واسعاً)، فرحمة الله عظيمة واسعة، وأنك بقولك هذا تحجر رحمة الله، قال تعالى: ﴿وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ [هود: ١١٨ - ١١٩]، فقد خلقهم ليرحمهم سبحانه تبارك وتعالى، فرحمة الله عظيمة واسعة، فمن جهل بربه سبحانه تبارك وتعالى كان كهذا الأعرابي الجاهل، فلذلك قال ربك: ﴿فَاعْلَمْ﴾ [محمد: ١٩] أي: اعلم من الذي تستغفره، ومن الذي تعبده، ومن الذي تطلب منه فتتأدب معه سبحانه تبارك وتعالى، ولا تحجر رحمته ولا مغفرته سبحانه تبارك وتعالى.
قال: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [محمد: ١٩]، فكان النبي ﷺ يستغفر لنفسه ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات، وفي الحديث الذي رواه مسلم من حديث عبد الله بن سرجس المخزومي رضي الله عنه قال: (أتيت النبي ﷺ وأكلت معه خبزاً ولحماً)، فقال راوي الحديث عنه عاصم الأحول قال: هل استغفر لك النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال الصحابي الفاضل عبد الله بن سرجس: نعم، ولك، فليس لي فقط، وإنما استغفر لي ولك، وعاصم بن الأحول ما شاهد النبي ﷺ فهو تابعي ولكنه تلا هذه الآية: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [محمد: ١٩]، فلم يحرم أحداً من هذه الأمة من دعوة صلوات الله وسلامه عليه، فقد دعا لأمته واستغفر لنفسه ولأمته صلوات الله وسلامه عليه، فتلا الصحابي هذه الآية، قال الصحابي الذي جلس مع النبي صلى الله عليه وسلم: (ثم تحولت فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه صلوات الله وسلامه عليه).
وكان معلوم عند أهل الكتاب أنه ما من نبي يبعث إلا وله خاتم النبوة، وهي علامة يعرف بها أنه نبي، فمن كان يخالطهم كان يأتي للنبي ﷺ ويحاول أن يرى ظهر النبي ﷺ وينظر خاتم النبوة، وهو قطعة من اللحم مثل بيضة الحمامة كانت بين كتفيه صلوات الله وسلامه عليه، من أجل التأكد من صحة أنه نبي صلوات الله وسلامه عليه.
فعلم الله عز وجل النبي ﷺ أن يستغفر ربه وأن يستغفر للمؤمنين، وأن يدعو للمؤمنين وللمؤمنات بالمغفرة، وكذلك علمنا النبي ﷺ أن ندعو لأنفسنا وللمؤمنين، فقال: (إذا دعوت لأخيك بظهر الغيب أمن الملك وقال: آمين ولك بمثله)، فعندما تدعو لأخيك فأنت ستحصل على تأمين الملك فهو يقول: (آمين ولك بمثل) يعني: أدعو لك بمثل ما دعوت لأخيك.
ومن أعظم وأجمل ما جاء عن النبي ﷺ في الحديث الصحيح: (من استغفر للمؤمنين والمؤمنات أعطاه الله عز وجل بكل مؤمن حسنة)، وأعداد المؤمنين تتجاوز الملايين، وهذا عدد الأحياء فقط أما الأموات ومن يكونون إلى قيام الساعة فأكثر من ذلك بكثير، فحين تدعو لنفسك وتقول: اللهم! اغفر لي وللمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، وتدعو لجميع المؤمنين من هذه الأمة، وتدعو لجميع المؤمنين تعطى بكل مؤمن حسنة، فلا تبخل بالدعاء لإخوانك فإن من أبخل الناس من بخل بالدعاء.


الصفحة التالية
Icon