تفسير قوله تعالى: (أم لم يعرفوا رسولهم وأكثرهم للحق كارهون)
قال تعالى: ﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ﴾ [المؤمنون: ٦٩]، أنكر على هؤلاء ونعى عليهم عدم فهمهم، هل هو بسبب عدم معرفة هذا الرسول الذي كنتم تصفونه بأنه الصادق الأمين؟ ومستحيل أن يسأل عن النبي ﷺ أحد منهم فلا يعرفه، فالله عز وجل يقول: إن الذي يرفض أن يسمع القرآن ولا يتدبره ولا يفهمه كالأنعام، أو كالذي لم يعرف الرسول الكريم.
يقول سبحانه: ﴿أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾ [المؤمنون: ٧٠]، (أم يقولون) أي: بل أيقولون إنه مجنون، وقد قالوا ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الحقيقة أنهم غير مقتنعين بما يقولون، يقولون عنه: كذاب، وهم في أنفسهم يشعرون أنه صادق، فهم لم يسمعوا منه كذباً قبل ذلك، ويقولون عنه مجنون وهم لم يروا منه أثراً لهذا الجنون، فهم يقولون ويكذبون، فينعي ربهم عليهم ذلك الكذب الذي يقولونه، ﴿أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ﴾ [المؤمنون: ٧٠].
بل قد جاءهم النبي ﷺ من عند ربه بالحق العظيم، قال تعالى: ﴿بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾ [المؤمنون: ٧٠]، والكافر كاره للحق؛ لأنه يعرف أن الحق يدعوه إليه وهو لا يريد أن يأتي إلى هذا الحق الذي يراه، فقد عرف الحق وعرف الصواب، وعرف توحيد الله، ولكن أبى ذلك، فقد جاءهم النبي ﷺ بالحق لكنهم يكرهون الحق حسداً، وبغياً، وتقليداً، فبعضهم يقلد بعضاً، وحسدوا النبي ﷺ فكرهوا ما جاء به؛ ولذلك يقول الله عز وجل: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النساء: ٥٤]، يقصد بالناس هنا النبي صلى الله عليه وسلم، ﴿فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا * فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ﴾ [النساء: ٥٤ - ٥٥]، فالنبي ﷺ جاء بالحق، وسبب إعراض هؤلاء وكراهتهم لما جاء به النبي ﷺ أنهم حسدوه صلوات الله وسلامه عليه، حتى قال أبو جهل: حتى قالوا منا نبي، فأنى لنا بنبي!