الحكمة من ذكر الزاني والزانية في هذه الآية وعدم الإتيان بلفظ يشملهما
قال الله عز وجل: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا﴾ [النور: ٢]، ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الآية الزانية والزاني، وكان يكفي أن يقال الزاني أو الزناة، ومثل هذه الآية آية السرقة حيث قال: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ [المائدة: ٣٨]، ولو ذكر سبحانه وتعالى واحداً فقط فقال: الزاني لدخلت فيه أيضاً المرأة من باب التغليب، وهذا كما يقال: المؤمنين، فيدخل معهم المؤمنات أيضاً، ويقال: المسلمون، فيدخل معهم أيضاً المسلمات، ولكن في هذه الآية حتى لا يقع الإشكال فيؤخذ الرجل فقط دون المرأة ذُكرا معاً.
ومثل ذلك ما جاء في أمر الذي وقع على امرأته في نهار رمضان، فقد جاء في الحديث: (أن رجلاً جامع امرأته في نهار رمضان، فذهب إلى النبي ﷺ فأمره بالكفارة بعتق رقبة، فقال: لا أملك غيرها -يعني: رقبته-، فأمره النبي ﷺ بأن يصوم شهرين متتابعين، قال: وهل فعلت الذي فعلت إلا في رمضان -أي: في الصيام-؟ فأمره أن يطعم ستين مسكيناً).
فهنا الكلام مع الرجل الذي واقع امرأته، ولم يسأل عن حكم المرأة، ولذلك اختلف العلماء هنا حيث إنه لم تذكر المرأة: هل الكفارة هذه على الرجل فقط، أو على الرجل والمرأة؟ فأكثر العلماء على أنها على الرجل فقط، والبعض يقول: لو أن المرأة هي التي دعته لذلك لكانت على الرجل والمرأة، ولكن الخلاف موجود، فلو أن الله عز وجل قال: (الزاني يجلد مائة) لجاء نفس الخلاف هنا في هذه المسألة، ولأتى البعض من الناس يقول: المقصود بالزاني هنا الرجل فقط والمرأة لا تجلد، ولو قال: (السارق اقطعوا يده) لأتى البعض من الناس يقول: إذاً القطع يكون على الرجل فقط؛ إذ المرأة ليس من عادتها أنها تسرق، فحتى يرفع الإشكال ولا يوجد مثل هذا الخلاف قال: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي﴾ [النور: ٢]، وقال: ﴿السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ﴾ [المائدة: ٣٨].
وأما وجه التفريق بين الآيتين فبدأ بالسارق فقال: ﴿السَّارِقُ﴾ [المائدة: ٣٨]، ثم ثنى بالمرأة فقال: ﴿وَالسَّارِقَةُ﴾ [المائدة: ٣٨]، وأما في هذه الآية فبدأ بالمرأة فقال: ﴿الزَّانِيَةُ﴾ [النور: ٢]، ثم ثنى بالرجل فقال: ﴿وَالزَّانِي﴾ [النور: ٢]، وذلك أن الطمع في المال موجود في الرجال والنساء ولكن في الرجال أكثر؛ لأن ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ [النساء: ٣٤]، فالرجل عليه النفقة، فلعل من عليه النفقة تدفعه نفسه أن يأخذها من حل أو من حرام، وفي الرجال أمر السرقة أكثر.
وأما الزنا فالمرأة سببه، فعندما تتبرج المرأة للرجل ويراها فإنه يشتهي مواقعتها، فلما كانت هي السبب بدأ الله عز وجل بها، وقد كان الزنا في الجاهلية منتشراً، وكانت النساء فتنة للرجال، وكن سبب ذلك فبدأ بهن، وكان إماء العرب وبغاياه مجاهرات بذلك.
وقالوا أيضاً: بدأ بالمرأة؛ لأن الزنا في المرأة أشد وأقبح، فإنه عار عليها وعلى أهلها.
وقالوا أيضاً: لأن المرأة شهوتها أشد من الرجل، وإن كان الله عز وجل قد هذب ذلك بأن ركب في المرأة حياء، فجعلها أكثر حياء من الرجل، فإذا وقعت في هذه الجريمة نزع منها الحياء فصارت مصيبة بين الناس.
وجاء في الحديث عند أبي داود من حديث أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: (إذا زنا العبد خرج منه الإيمان، وكان فوقه كالظلة) يعني: كالسحابة فوق رأسه، (فإذا انقلع منها -يعني: رجع عن هذه المعصية وتاب إلى ربه- رجع إليه الإيمان)، فالمعاصي سبب لنزع الإيمان الواجب من قلب الإنسان، ولذلك جاء في الحديث: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا ينتهب النهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم وهو مؤمن).
فالإنسان وقت وقوعه في المعصية لو أن عنده الإيمان الواجب الذي يمنعه منها لما وقع فيها، ولكنه في هذه الحالة ينزع منه القدر من الإيمان الذي يمنعه من هذه المعصية، فيقع في هذه المعصية.