أقوال العلماء في معنى قوله تعالى: (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة)
اختلف العلماء في معنى هذه الآية، ويذكر الإمام القرطبي ستة أوجه من أوجه التأويل: الوجه الأول: أن مقصد الآية تشنيع الزنا وتبشيع أمره، وأنه محرم على المؤمنين، كأنه في قوله: ﴿وَحُرِّمَ ذَلِكَ﴾ [النور: ٣] أي: وحرم الزنا على المؤمنين.
قال: وهذا معنى حسن بليغ، واتصال هذا المعنى بما قبل حسن بليغ.
فقوله سبحانه: ((لا يَنكِحُ)) أي: لا يطأ ولا يواقع ولا يزني إلا بمن توافقه، فإن كانت مسلمة فقد اتصفت بصفة رذيلة وهي أنها زانية، أو أن التي توافقه على ذلك تكون من المشركات.
والعكس: فالزانية لا يطأها في حال زناها إلا إنسان زانٍ، فإن كان مسلماً فقد اتصف بهذا الوصف الرذيل: أنه زان، أو لا يطأها إلا إنسان مشرك يستبيح ذلك الفعل، ﴿وَحُرِّمَ ذَلِكَ﴾ [النور: ٣] أي: وحرم الزنا على المؤمنين، هذا هو القول الأول من كلام أهل العلم.
وجاء عن ابن عباس رضي الله عنهما وأصحابه أنهم قالوا: النكاح في هذه الآية بمعنى الوطء، وإن كان النكاح يأتي في القرآن بمعنى العقد، وذهب بعض أهل العلم إلى أن جميع ما جاء في القرآن من نكاح فإنه بمعنى العقد، ورجح ذلك الإمام الزجاج من أئمة اللغة، وقال لا يعرف النكاح في كتاب الله تعالى إلا بمعنى التزويج، أي: بمعنى عقد الزواج.
وقال ذلك أيضاً شيخ الإسلام ابن تيمية أنه لا يعرف النكاح في كتاب الله عز وجل إلا بمعنى العقد، وهذا القول فيه نظر، فصحيح أنه قد جاء في القرآن قوله الله عز وجل: ﴿حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ [البقرة: ٢٣٠] وهذا فيه معنى العقد، ولكن جاء عن النبي ﷺ تبيين النكاح بأنه الوطء والعقد وليس مجرد عقد الزواج، ومن ذلك قول النبي ﷺ للمرأة التي طلقها زوجها ثلاثاً ثم تزوجت غيره، وأرادت أن ترجع إلى الأول، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك) فهنا مجرد تزوجِّها من إنسان آخر والعقد عليها لا يبيح لها أن ترجع إلى الأول حتى يطأها هذا الثاني، فجاء في القرآن النكاح بمعنى الوطء، كما جاء في القرآن بمعنى العقد.
فعلى ذلك قول ابن عباس هنا في قوله: ﴿الزَّانِي لا يَنكِحُ﴾ [النور: ٣] أي: لا يطأ، بمعنى أنه لا يزني إلا بزانية مثله أو مشركة تستبيح ذلك، هذا هو الصواب.