حجة المشركين قديماً وحديثاً
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في سورة الأنبياء: ﴿فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ * ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنطِقُونَ * قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ * قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ﴾ [الأنبياء: ٦٤ - ٧٠].
ذكر الله عز وجل في هذه الآيات وما قبلها قصة إبراهيم - عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام - مع أبيه وقومه وهم يعكفون على التماثيل والأصنام، فأنكر عليهم إبراهيم عليه الصلاة والسلام وقال: ﴿مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ﴾ [الأنبياء: ٥٢] قالوا محتجين بغيرهم من المشركين، - أي: بصنيع الآباء -: ﴿قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ * قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [الأنبياء: ٥٣ - ٥٤] وكأنهم حين يقولون: وجدنا آباءنا، قد أتوا بحجة في نظرهم، وهي أن الآباء خير من الأبناء، فكأنهم يقولون: آباؤنا خير منا يفهمون ما لا نفهم، فنحن نقلدهم، فكان جواب إبراهيم: ﴿لَقَدْ كُنتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [الأنبياء: ٥٤].
ونفس الجواب كان يقوله النبي ﷺ للمشركين، عند قولهم: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾ [الزخرف: ٢٣] فيقول لهم: ﴿أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾ [الزخرف: ٢٤].
قالوا عن النبي ﷺ إنه يسب الآلهة ويسفه الآباء ويفرق بين المرء وأقربائه، صلوات الله وسلامه عليه، يعني: أنهم يرفضون هذا الدين.
فالمشركون كانوا يعظمون الآباء، ولذلك ذهب رجل من المشركين للنبي ﷺ يريد أن يحتج عليه، فيقول له: أسألك بالله أأنت خير أم عبد المطلب؟ يعني: يريد أن يحرجه في الكلام، فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم! وكأن الرجل يريد عند سؤاله ذلك أن يقول له النبي صلى الله عليه وسلم: أبي خير مني؛ لأن عادتهم إذا سئل أحدهم: أنت أحسن أو أبوك؟ أن يقول: أبي، فإن ظفر بهذا الجواب من النبي ﷺ سيقول له: أبوك كان يعبد الأصنام وأنت لا تعبدها، أفأنت أحسن من أبيك؟ فيريد أن يلزمه بما ليس لازماً له، فلذلك لم يجبه النبي ﷺ أصلاً عن هذا الهراء الذي يقول.
فالمشركون ليست عندهم حجة عقلية ولا نقلية، فلذلك كان احتجاجهم ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا﴾ [الزخرف: ٢٣]، فنحن نقلد آباءنا وآباؤنا خير منا، فلذلك يجيبهم إبراهيم بهذا
﴿ كُنتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [الأنبياء: ٥٤].
ثم قال الله عن المشركين: ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ﴾ [الأنبياء: ٥٥] أي: هل أنت تتكلم جاداً أو مازحاً؟ ﴿قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ [الأنبياء: ٥٦] أي: الذي فطر وخلق السماوات والأرض وابتدعهن وأنشأهن ولم يكن موجودات قبل ذلك، فالله تبارك وتعالى هو الذي فطرهن وأنا أشهد بأنه هو الرب الواحد لا شريك له.


الصفحة التالية
Icon