تفسير قوله تعالى: (أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين)
قال تعالى: ﴿أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ﴾ [الزخرف: ١٦].
(أم اتخذ) يعني: بل اتخذ، والهمزة للإنكار تكذيباً لهم وتعجيباً من فعلهم؛ حيث لم يرضوا بأن جعلوا لله من عباده جزءاً حتى جعلوا ذلك الجزء شر الجزئين وهو الإناث دون الذكور، مع أنهم أنفر خلق الله عن الإناث وأمقتهم لهن، وقد بلغ بهم المقت إلى أن وأدوهن، وكأنه قيل: هبوا أن إضافة اتخاذ الولد إليه جائزة فرضاً وتمثيلاً، أما تستحيون من السقوط في الفتنة ومن ادعائكم أنه آثركم على نفسه بخير الجنسين وأعلاهما وترك له شرهما وأدناهما؟! أفاده الزمخشري.
يقول الألوسي رحمه الله في قوله تعالى: ﴿أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ﴾: (أم) هنا بمعنى استفهام الإنكار، فالكفار لما قالوا: الملائكة بنات الله، أنكر الله عليهم أشد الإنكار موبخاً لهم أشد التوبيخ، حيث افتروا عليه الولد، ثم جعلوا له أنقص الولدين وأحقرهما وهو الأنثى، كما قال تعالى: (أم اتخذ مما يخلق بنات) وهي النصيب الأدنى من الأولاد، (وأصفاكم) أي: خصكم وآثركم (بالبنين) الذين هم النصيب الأعلى من الأولاد، وهذا ما وضحه تعالى في آيات كثيرة مثل قوله تعالى: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ [الزخرف: ١٧]، وقال تعالى: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ [النحل: ٥٨] يعني: فكيف تجعلون لله الإناث وأنتم لو بشر الواحد منكم بأن امرأته ولدت أنثى لظل وجهه مسوداً من الكآبة وهو كظيم، أي: ممتلئ حزناً وغماً؟ وقوله تعالى: ﴿أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ﴾ [الزخرف: ١٨]، فيه إنكار شديد وتقريع عظيم لهم؛ لأنهم مع افترائهم عليه جل وعلا الولد جعلوا له أنقص الولدين؛ وفي هذا إشارة إلى نوعين من الضعف والنقص يوجدان في المرأة: النوع الأول: نقص ظاهري.
والنوع الثاني: نقص باطني.
أما النقص الظاهري فمن حيث الصورة؛ فإنه لا شك أن الرجل أكمل من المرأة من الناحية البدنية، ولذلك تحاول النساء تكميل هذا النقص في الظاهر بارتداء الحلي والزينة، أما الرجل فزينته هي الرجولة نفسها، ولذلك لا يليق بالرجل أن يلبس الذهب ولا يلبس الحرير ونحو ذلك، ومع تحريم الذهب والحرير إلا أن الله تعالى -مراعاة لفطرة النساء- أباح لهن هذه الأشياء، وقال هنا: ((أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين))، أي: أتختارون لله سبحانه وتعالى النصيب الأدنى والأضعف والأنقص؟! كيف والأنثى لنقصها الظاهري تنشأ في الحلية، وتنجذب إلى الزينة لتكملة هذا النقص بالملابس والزينة وغير ذلك؟ قال الشاعر: وما الحلي إلا زينة من نقيصة يتمم من حسن إذا الحسن قصرا وأما إذا كان الجمال موفراً كحسنك لم يحتج إلى أن يزورا فالنقص الظاهري تجبره المرأة بالزينة من الذهب وغيره.
وقوله: ﴿وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ﴾ هذا هو النقص الداخلي الباطني، فالغالب في المرأة أنها حيية لا تفصح ولا تقوى على المناظرة ولا المحاورة عند الخصام والجدال، فالنساء إذا شئن أن يفتخرن في الشعر لم يقارن الرجال، بخلاف الرثاء فإن فيه ضعفاً؛ فرثاء الخنساء لأخيها صخر بالنسبة لرثاء الشعراء من الرجال فيه تميز واضح جداً.
إذاً: هنا إنكار شديد وتقريع عظيم لهم بأنهم مع افترائهم على الله سبحانه وتعالى الولد جعلوا له أنقص الولدين الذي لنقصه الخلقي ينشأ في الحلية من الحلي والحلل وأنواع الزينة من صغره إلى كبره، حتى ترى الطفلة الصغيرة التي لا رأت التلفزيون ولا رأت الأفلام ولا خالطت المتبرجات تذهب بالفطرة إلى المرآة، ولا شغل لها إلا المرآة والزينة وتسريح الشعر والفرح والسعادة بهذا الحلي، لتجبر بتلك الزينة نقصها الخلقي الطبيعي، والأنثى غالباً لا تقدر على القيام بحجتها ولا الدفاع عن نفسها.
وقد يقول بعض الناس: هناك بعض النساء عندهن قدرة على الخصام، فنقول: نعم، لكن هل هو خصام مبين ينفع أو يشفع؟
ﷺ لا، ففي الغالب أن المرأة لا تقوى على مثل ذلك، ولكن توجد بعض استثناءات، كما قال الشاعر: فلو كان النساء كمن ذكرنا لفضلت النساء على الرجال فما التأنيث لاسم الشمس عيب وما التذكير فخر للهلال فالأنثى غالباً لا تقدر على القيام بحجتها ولا الدفاع عن نفسها.


الصفحة التالية
Icon