تفسير قوله تعالى: (ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون)
قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ﴾ [الدخان: ١٧].
(ولقد فتنا) أي: ابتلينا قبل هؤلاء المشركين قوم فرعون، وذلك بإرسال موسى عليه السلام إليهم ليؤمنوا، فاختاروا الكفر على الإيمان.
قوله: (وجاءهم رسول كريم) أي: كريم على الله وكريم على المؤمنين، أو كريم في نفسه عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.
قوله تعالى: ﴿أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾ [الدخان: ١٨] أي: قال موسى عليه السلام مخاطباً فرعون وقومه: أرسلوا معي بني إسرائيل.
قوله: (عباد الله) يحتمل في إعرابها أن قوله: (عباد الله) منادى حذفت أداة ندائه، أي: يا عباد الله، لكن الأرجح أن قوله: (عباد الله) مفعول به، أي: أرسلوا أو ابذلوا إلي عباد الله، بدليل آية طه: ﴿فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ﴾ [طه: ٤٧] فهي تفسر قوله: (أن أدوا إلي عباد الله)، كذلك قوله في الآية الأخرى: ﴿أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [الشعراء: ١٧]، فهذه تفسر قوله: (أن أدوا إلي عباد الله) أنها مفعول به منصوب، ولفظ الجلالة مضاف إليه.
قوله: (أن أدوا إلي عباد الله) أي: أرسلوا معي بني إسرائيل؛ لأسير بهم إلى بلادنا الأولى، وأطلقوهم من أسركم وحبسكم، فإنهم قوم أحرار، وأنتم أذللتموهم واستعبدتموهم، فهم رفضوا هذه الديار وكرهوا هذا الضيم وهذا الذل، فأطلقوهم من هذا الحبس وهذا الظلم.
قوله: (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) أي: على وحيه ورسالته التي حملنيها إليكم؛ لأنذركم بأسه إن عصيتم.
قوله تعالى: ﴿وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ﴾ [الدخان: ١٩] أي: لا تعلوا على الله بإنكار ربوبيته، ودعوى الربوبية لأنفسكم وتكذيب رسوله.
قوله: (إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ) أي: حجة واضحة على ربوبية الله ونبذ ربوبيتكم، وعلى رسالتي، وعلى أن بني إسرائيل عباده.
قوله تعالى: ﴿وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ﴾ [الدخان: ٢٠] أي: اعتصمت به من رجمكم -يعني: القتل-، فعصمني فلا ينالني منكم مكروه.
وهكذا قوة التوكل على الله سبحانه وتعالى، كما في مواقف أخرى لموسى عليه السلام حينما أتى مع قومه البحر وطاردتهم جيوش فرعون، قال قومه: ﴿إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ [الشعراء: ٦١ - ٦٢] منتهى الثقة والتوكل على الله سبحانه وتعالى، وهكذا هنا قال: (وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون) أي: اعتصمت به من أن ترجموني أو تقتلوني، فعصمني فلا ينالني منكم مكروه، وقصد بهذا الكلام إظهار مزيد شجاعته وثباته في موقف تضطرب فيه الأفئدة، وتزل الأقدام خوفاً ورعباً، وما ذاك إلا لإيوائه إلى عصمة الله سبحانه وتعالى وتأييده.
قوله تعالى: ﴿وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ﴾ [الدخان: ٢١] أي: فكونوا بمعزل عني فلست بموال منكم أحداً.


الصفحة التالية
Icon