تفسير قوله تعالى: (فما بكت عليهم السماء والأرض)
قال الله تعالى: ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ﴾ [الدخان: ٢٩].
قال الزمخشري: إذا مات رجل خطير قالت العرب في تعظيم مهلكه: بكت عليه السماء والأرض، وبكته الريح، وأظلمت له الشمس، فيقول الشاعر: فالريح تبكي شجوها والبرق يلمع في الغمامة يعني: حزناً على هذا الرجل الخطير المهم الذي مات.
وقال جرير يرثي عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى: فالشمس طالعة ليست بكاسفة تبكي عليك نجوم الليل والقمرا أي: تبكي عليك نجوم الليل وكذلك القمر يبكي معها.
وقالت الخارجية ليلى بنت طريف الشيباني ترثي أخاها الوليد: أيا شجر الخابور مالك مورقاً كأنك لم تجزع على ابن طريف يقول: وذلك على سبيل التمثيل والتخييل مبالغة في وجوب الجزع والبكاء عليه.
والقاسمي شرح ما ورد من الآثار عن بعض الصحابة أو السلف في تفسيرها على أنها تعبير لغوي عند العرب، يعبرون به عن شدة المصيبة التي نزلت بموت هذا الخطير، فيقول: وكذلك ما يروى عن ابن عباس رضي الله عنهما من بكاء مصلى المؤمن وآثاره في الأرض، ومصاعد عمله، ومهابط رزقه في السماء؛ فهو تمثيل.
ونفي ذلك عنهم في قوله تعالى: (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ) فيه تهكم بهم وبحالهم المنافية لحال من يعظم قتله، فيقال فيه: بكت عليه السماء والأرض.
وعن الحسن: فما بكى عليهم الملائكة والمؤمنون، بل كانوا بهلاكهم مسرورين.
يعني: ما بكى عليهم أهل السماء وهم الملائكة وأهل الأرض وهم المؤمنون.
أما القول الذي صدر به القاسمي تفسيره فعجيب، وهو -أي: القاسمي - مع سلفيته القوية الواضحة يجنح أحياناً إلى القول بالمجاز كما في هذه الآية، ما الذي يمنع من أن يكون هناك بكاء حقيقي للسماوات والأرض من حيث النصوص؟ وقد دلت النصوص أن السماء والأرض تسبح: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ [الإسراء: ٤٤].
إذاً: لا يوجد شيء يمنع أبداً من أن يخلق الله سبحانه وتعالى في الجمادات إدراكاً تدرك به بعض هذه الأشياء، والكلام في هذه المسألة مستوعب بتفصيل كبير في كتاب (عبودية الكائنات) للأخ الشيخ فريد التوني، ففيه نقد لكل هذه المناحي التأويلية أو المجازية في نظائر ذلك من آيات القرآن الكريم، فعلى الأقل يقال: ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ﴾ يعني: ما بكى عليهم أهل السماء ولا أهل الأرض، أما أن يقال: إن هذا مجرد مجاز أو تمثيل فهذا مبني على استبعاد أن يحصل هذا حقيقة، وقد ثبت أن الجذع قد حن إلى النبي ﷺ وبكى لفراقه، حتى نزل من المنبر وضمه إليه حتى هدأ، فهذا جذع حن لفقد النبي عليه الصلاة والسلام، والآيات كثيرة في مثل هذه المعاني، وننصح الإخوة بمراجعة كتاب ((عبودية الكائنات)) فإنه استوفى البحث في هذه الآية ومظاهرها.
قوله: (وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ) أي: مؤخرين بالعقوبة، بل عوجلوا بها زيادة سخط عليهم.