تفسير قوله تعالى: (فيها يفرق كل أمر حكيم)
قال الله تعالى: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ [الدخان: ٤] أي: يفصل ويبين كل أمر تقتضيه الحكمة على وجه متين محمود عند الكمل، تقتات به أرواحهم، وترحم به نفوسهم.
وهذه الآية تدل على نوع من أنواع القدر وهو التقدير الحولي؛ لأن ليلة القدر تأتي في الحول مرة في شهر رمضان، حيث يكتب في ليلة القدر موافقاً لما سبق به القضاء في اللوح المحفوظ ما يحصل من هذه السنة إلى السنة التي تليها؛ فإن هناك تقديراً عاماً قبل خلق السماوات والأرض، وهناك تقديراً يومياً ويدل عليه قوله تعالى: ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ [الرحمن: ٢٩] وهذه التقادير لا تتناقض ولا تتعارض؛ لأنها كلها تكون متوافقة مع ما سبق به القدر في اللوح المحفوظ.
قوله تعالى: ﴿أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا﴾ [الدخان: ٥] نصب على الاختصاص، أي: أعني بهذا الأمر أمراً حاصلاً من عندنا، على مقتضى حكمتنا، فبعدما فخّم الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم بقوله: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ﴾ [الدخان: ٣]، ووصفه بقوله: ﴿وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ [الدخان: ٢]، فهذا بيان لفخامة القرآن الذاتية من حيث كونه كلام الله سبحانه وتعالى، ومن حيث كونه كتاباً مبيناً؛ أتبع ذلك ببيان فخامته الإضافية إلى الله.
إذاً: قوله عز وجل: ﴿أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ﴾ بيان لفخامته الإضافية بعد بيان فخامته الذاتية.
﴿رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ﴾ [الدخان: ٦] أي: مرسلين إلى الناس رسولاً من أنفسهم، يتلو عليهم آيات الله ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة؛ رحمة منه تعالى بهم لمسيس الحاجة إليه، كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٧].
قوله: ﴿إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [الدخان: ٦] السميع لدعوة حقائق الأشياء بمقتضياتها، (العليم) أي: بمقادير قابلياتها، فلا يبعد عليه الإرسال والإنزال.


الصفحة التالية
Icon