تفسير قوله تعالى: (ويل لكل أفاك أثيم من رجز أليم)
﴿وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ﴾ [الجاثية: ٧ - ١١].
قال الله عز وجل: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ﴾ [الجاثية: ٧] أي: كذاب يتكلم في حق الله وصفاته على خلاف الدليل.
(أَثِيمٍ) أي: بترك الاستدلال، لاسيما إذا لم يترك عن غفلة، بل مع كونه يسمع آيات الله، فليست له حجة بترك الاستدلال؛ لعدم وجود الأدلة، بل بلغته الحجة فإنه ﴿يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾.
قوله تعالى: ((يسمع آيات الله)) أي: يسمعها بنفسه لا بالإخبار عنها بالغيب، بل (تتلى عليه ثم يصر) أي: على إنكارها، وعدم قبولها، ولا يتأثر بها أصلاً.
(مستكبراً كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم).
يقول تعالى: ﴿وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا﴾ [الجاثية: ٩]، استهانة بها، وفي قراءة: (وإذا عُلِّم من آياتنا شيئاً اتخذها هزواً)، كما فعل أبو جهل لما نزل قوله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الأَثِيمِ﴾ [الدخان: ٤٣ - ٤٤]، فأحضر زبداً وتمراً ونادى أصحابه ودعاهم إلى أن يأكلوا، وقال: هذا هو الزقوم الذي يهددنا به محمد؛ استهزاء بآيات الله سبحانه وتعالى، وغير ذلك من مظاهر استهزاء الكفار بآيات الله عز وجل.
﴿مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ﴾ [الجاثية: ١٠]، السياق من أوله: (أفاك أثيم) مفرد (يسمع)، (تتلى عليه)، (ثم يصر)، (كأن لم يسمعها)، (فبشره)، (وإذا علم)، (اتخذها)، ثم قال: (أولئك لهم عذاب مهين)، فاسم الإشارة ورد بالجمع، لأنه رد الكلام إلى معنى لفظ (كل)؛ لأن قوله تعالى: ((وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ)) إلى آخره، جمع بالنظر إلى معنى كلمة (كل).
وقوله تبارك وتعالى: (من ورائهم جهنم) يعني: من بعد انقضاء آجالهم عذاب جهنم.
﴿وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا﴾، أي: من الأموال والأولاد، ((شَيْئًا))، من عذاب الله.
﴿وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ﴾ يعني: آلهتهم التي عبدوها، أو رؤساءهم الذين أطاعوهم في الكفر، واتخذوهم نصراء في الدنيا.
﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾.
قال تعالى: ﴿هَذَا هُدًى﴾ أي: هذا القرآن بيان ودليل على الحق، يهدي إلى صراط مستقيم من اتبعه وعمل بما فيه.
﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ﴾.
قال الله تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ﴾، أي: بتسخيره.
﴿وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾ [الجاثية: ١٢] أي: باستفادة علم وتجارة وأمتعة غريبة، وجهاد وهداية، وغوص فيه لاستخراج لآليه، وفيض منه.
(وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) أي: نعمة هذا التسخير، فتعبدوه وحده، وتصرفوا ما أنعم به عليكم إلى ما خلقتكم له.


الصفحة التالية
Icon