تفسير قوله تعالى: (وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا)
قال تعالى: ﴿وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ [الجاثية: ٣٤] (ننساكم) أي: نترككم في العذاب ترك ما ينسى، كما تركتم التأهب له، وفي هذا المعنى جاء الحديث الذي رواه مسلم بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى يقول لبعض العبيد يوم القيامة: ألم أكرمك وأزوجك وأزودك؟! وأسخر لك الخيل والإبل؟! وأذرك ترأس وتربع؟!)، ترأس: تكون رئيساً على قومك، وتربع: تأخذ المرباع، وهو الذي كانت ملوك الجاهلية تأخذه، فقد كانت تأخذ من الغنيمة ربع الأموال، هذا أصل معنى المرباع، لكن معناه هنا: ألم أجعلك رئيساً مطاعاً؟ (فيقول: بلى، فيقول الله سبحانه وتعالى: أفظننت أنك ملاقي؟! فيقول: لا، فيقول: فإني أنساك كما نسيتني).
أي: أمنعك الرحمة كما امتنعت من طاعتي، ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ﴾ [الحشر: ١٩]، فالنسيان يأتي بمعنى الترك.
يقول تبارك وتعالى: ﴿وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ * ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ [الجاثية: ٣٤ - ٣٥] أي: خدعتكم حتى آثرتموها على الآخرة، وزعمتم أن لا حياة سواها.
﴿فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْهَا﴾ [الجاثية: ٣٥] أي: من النار.
﴿وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ﴾ [الجاثية: ٣٥] يعني: لا يغفر لهم، أو لا يطلب منهم أن يعتبوا ربهم، أي: يرضوه؛ لأن الرضا هو إزالة العتب، فجاء كناية عن الإرضاء.
(ولا هم يستعتبون) يعني: لا يطلب منهم أن يرجعوا إلى طاعة الله تعالى؛ لأنه ليس وقت توبة ولا اعتراف، ولات حين مندم.
أو المعنى: لا يردون إلى الدنيا ليتوبوا ويراجعوا الإنابة، فما بعد الموت مستعتب.


الصفحة التالية
Icon