رسل الله إلى الجن
قال الماوردي: لم يختلف أهل العلم أنه يجوز أن يبعث الله إليهم رسولاً من الإنس، واختلفوا في جواز بعثة رسول منهم أي: جواز أن يكون الرسول جنياً اختلفوا فيه، لكن لم يختلفوا في جواز أن الله سبحانه وتعالى يبعث إلى الجن رسولاً من الإنس.
قال: جوز قوم إرسال رسول من الجن إلى الجن؛ لقول الله تعالى: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ﴾ [الأنعام: ١٣٠]، ومنع آخرون منه، وهذا قول من جعلهم من ولد إبليس، وحملوا قوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ﴾ [الأنعام: ١٣٠] على الذين لما سمعوا القرآن ولوا إلى قومهم منذرين، ونظيره تسمية رسل عيسى عليه السلام رسلاً في آية سورة يس ﴿إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ﴾ [يس: ١٤].
وقوله: (وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي)، قراءة الجمهور على البناء للمفعول، (فلما قُضي)، وقرأ بعضهم: (فلما قَضى) أي: قضى النبي ﷺ يعني: فرغ من قراءته، كقوله تعالى: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ﴾ [الجمعة: ١٠]، وقوله: ﴿فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ﴾ [فصلت: ١٢]، وقوله: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٠٠].
قوله: (ولوا إلى قومهم منذرين)، أي: رجعوا إلى قومهم فأنذروهم ما سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كقوله: ﴿لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ [التوبة: ١٢٢]، واستدل بهذه الآية على أنه في الجن نذر وليس فيهم رسل.
ولا شك أن الجن لم يبعث الله منهم رسولاً؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى﴾ [يوسف: ١٠٩]، وقال عن إبراهيم الخليل: ﴿وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ﴾ [العنكبوت: ٢٧]، فكل نبي بعثه الله بعد إبراهيم فمن ذريته وسلالته.
وقد يعترض بعض الناس بآية الأنعام: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ﴾ [الأنعام: ١٣٠]، ف
ﷺ أن المراد في الآية هو مجموع الجنسين، وهذا لا يتعارض مع اقتصار الرسل على كونهم من الإنس.
فقوله: (يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم)، المراد هنا مجموع الجنسين، فيصدق على أحدهما وهو الإنس، كما قال تعالى: ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ﴾ [الرحمن: ٢٢]، وهو يخرج من أحدهما.


الصفحة التالية
Icon