كلام الشنقيطي في المراد بأولي العزم من الرسل
يقول الشنقيطي رحمه الله تعالى: اختلف العلماء في المراد بأولي العزم من الرسل في هذه الآية الكريمة اختلافاً كثيراً، وأظهر الأقوال في ذلك: أنهم خمسة، وهم الذين قدمنا ذكرهم في الأحزاب والشورى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ﴾ [الأحزاب: ٧] عليهم السلام.
وعلى هذا القول فالرسل الذين أمر رسول الله ﷺ أن يصبر كما صبروا أربعة، فصار هو ﷺ خامسهم.
واعلم أن القول بأن المراد بأولي العزم جميع الرسل عليهم الصلاة والسلام، وأن لفظة (من) في قوله: (من الرسل)، بيانية الذي يظهر أنه خلاف التحقيق، كما دل على ذلك بعض الآيات القرآنية كقوله تعالى: ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ﴾ [القلم: ٤٨]، فأمر الله جل وعلا نبيه في آية القلم هذه بالصبر، ونهاه عن أن يكون مثل يونس؛ لأنه هو صاحب الحوت.
وكقوله: ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾ [طه: ١١٥]، فآية القلم، وآية طه المذكورتان كلتاهما تدل على أن أولي العزم من الرسل الذين أمر النبي ﷺ بأن يصبر كصبرهم ليسوا جميع الرسل.
وقوله تعالى: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ﴾ [الأحقاف: ٣٥] يعني: بالدعاء عليهم أو في إحلال العذاب بهم، فإن أبعد غايتهم يوم القيامة.
(ولا تستعجل لهم) مفعول لأجله، يعني: لا تستعجل لهم العذاب.


الصفحة التالية
Icon