عدم دلالة قوله تعالى: (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك) على وقوع المعاصي من الأنبياء
كذلك قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [التحريم: ١]، ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي ﷺ كان يمكث عند زينب بنت جحش فيشرب عندها عسلاً، قالت: فتواطأت أنا وحفصة أن أيتنا ما دخل عليها رسول الله ﷺ فلتقل: إني أجد منك ريح مغافير) والمغافير: صمغ متغير الرائحة، يكون فيه حلاوة، واحدها مغفور، وطعمه مثل العسل، فتواطأت حفصة وعائشة أنه كلما أتى إليهما النبي عليه السلام ذكرتا له ذلك؛ لأنه أكل عند زينب عسلاً، كان يأتيها فيمكث ويشرب عندها عسلاً، تقول: (فتواطأت أنا وحفصة أن أيتنا ما دخل عليها رسول الله فلتقل: إني أجد منك ريح مغافير، أكلت مغافير، فدخل على إحداهما، فقالت له ذلك، فقال: بل شربت عسلاً عند زينب بنت جحش ولن أعود له، فنزل قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ))، إلى قوله تعالى: ﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ﴾ [التحريم: ٤] أي: عائشة وحفصة ﴿فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾ [التحريم: ٤]).
قال القرطبي: ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ)) يعني: هو العسل المحرم بقوله: (لن أعود له)، ((تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ)) أي: تفعل ذلك طلباً لرضاهن: ((وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) غفور مما أوجب المعاتبة، رحيم برفع المؤاخذة، وقد قيل: إن ذلك كان ذنباً من الصغائر، والصحيح أنه معاتبة على ترك الأولى، وأنه عليه الصلاة والسلام لم تكن له صغيرة ولا كبيرة.