من فوائد الحديث التي ذكرها الحافظ ابن حجر
شرح الإمام البخاري بعض الألفاظ الغريبة في الحديث، فقال: قال أبو عبد الله: معرة العر: الجرب.
تزيلوا: تميزوا.
وحميت القوم: منعتهم حماية، وأحميت الحمى: جعلته حمى لا يدخل.
وأحميت الرجل إذا أغضبته.
وهذا سوف يأتي إن شاء الله تفسيره في نهاية الكلام على سورة الفتح.
ثم قال الحافظ خاتماً فوائد هذا الحديث -دون ما تقدم أثناء شرح الحديث-: أن ذا الحليفة ميقات أهل المدينة للحاج والمعتمر.
وأن تقليد الهدي وسوقه سنة للحاج والمعتمر فرضاً كان أو سنة.
وأن الإشعار سنة لا مثلة، والإشعار: هو جرح جانب السنام الأيمن، فهذا ليس من المثلة وإنما هو سنة.
وأن الحلق أفضل من التقصير، وأنه نسك في حق المعتمر محصوراً كان أو غير محصور.
وأن المحصر ينحر هديه حيث أحصر، ولو لم يصل إلى الحرم، ويقاتل من صده عن البيت، وأن الأولى في حقه ترك المقاتلة إذا وجد إلى المسالمة طريقاً.
وفي هذا الحديث أشياء تتعلق بالجهاد منها: جواز سبي ذراري الكفار إذا انفردوا عن المقاتلة ولو كان قبل القتال.
وفيه: الاستتار عن طلائع المشركين ومفاجأتهم بالجيش لطلب غرتهم، وجواز التنكب عن الطريق السهل إلى الطريق الوعر لدفع المفسدة وتحصيل المصلحة، واستحباب تقديم الطلائع والعيون بين يدي الجيوش، والأخذ بالحزم في أمر العدو لئلا ينالوا غرة المسلمين، وجواز الخداع في الحرب، والتعريض بذلك من النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان من خصائصه أنه منهي عن خائنة الأعين.
وفيه: فضل الاستشارة من استقراء الرأي واستطابة قلوب الأتباع، وجواز بعض المسامحة في أمر الدين، واحتمال الضيم فيه ما لم يكن قادحاً في أصله، إذا تعين ذلك طريقاً للسلامة في الحال، والصلاح في المآل، سواء كان ذلك في حال ضعف المسلمين أو قوتهم.
وأن التابع لا يليق به الاعتراض على المتبوع بمجرد ما يظهر في الحال، بل عليه التسليم؛ لأن المتبوع أعرف بمآل الأمور غالباً بكثرة التجربة ولاسيما مع من هو مؤيد بالوحي.
وفيه: جواز الاعتماد على خبر الكافر إذا قامت القرينة على صدقه، قاله الخطابي مستدلاً بأن الخزاعي الذي بعثه النبي ﷺ عيناً له ليأتيه بخبر قريش كان حينئذ كافراً، قال: وإنما اختاره لذلك مع كفره ليكون أمكن له في الدخول فيهم، والاختلاط بهم، والاطلاع على أسرارهم، قال: ويستفاد من ذلك جواز قبول قول الطبيب الكافر.
يعني: إذا علم منه الصدق في النصيحة.
قلت: ويحتمل أن يكون الخزاعي المذكور كان قد أسلم ولم يشتهر إسلامه، وحينئذ فليس ما قاله دليلاً على ما ادعاه، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.