تفسير قوله تعالى: (وأخرى لم تقدروا عليها)
قال تعالى: ﴿وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا﴾ [الفتح: ٢١] كأن الله سبحانه وتعالى قال: وعدكم الله مغانم تأخذونها ومغانم لا تأخذونها، ولا تقدرون عليها، وإنما يأخذها من يجيء بعدكم من المؤمنين، فمفهومهم الآية أنه ستكون مغانم أخرى لا يأخذها الصحابة، وإنما هي مدخرة لمن يأتي بعدهم من المؤمنين، ولا يقدرون هم عليها، بل يأخذها من يجيء بعدهم من المؤمنين.
وقد فسر الفراء قوله تعالى: ((وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا)) تفسيراً جميلاً حيث قال: ((قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا)) أي: حفظها الله للمؤمنين، لا يجري عليها هلاك إلى أن يأخذها المسلمون، كإحاطة الحراس بالقبائل، والله تعالى أعلم.
قوله تعالى: ((وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا)) يعني: الله سبحانه وتعالى ادخرها للمؤمنين وحفظها لهم فلا تهلك، ويحفظها إلى أن يغزو المسلمون تلك البلاد، ويأخذوا ما كتب لهم من هذه الغنائم، فهذا مما قيل في تفسيرها.
وقيل في قوله تعالى: (وأخرى لم تقدروا عليها): الواو هي واو رب، كقول الشاعر: وليلٍ كموج البحر أرخى سدوله.
وهذه الواو كثيرة في الشعر، والتقدير: ورب ليل، كذلك هنا بعض المفسرين قال: هذه الواو واو رب، يعني: (ورب أخرى لم تقدروا عليها)، أي: كم من غنيمة أخرى مما لم تأخذوها! ولأنكم غير قادرين عليه ((قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا))، فالله سبحانه وتعالى يدخرها الآن للأجيال القادمة من المسلمين سوف يفوزون بها.
قال ابن كثير: أي: وغنيمة أخرى وفتح آخر معيناً لم تكونوا تقدرون عليها قد يسرها الله عليكم وأحاط بها لكم، فإنه تعالى يرزق عباده المتقين من حيث لا يحتسبون.
قيل: قوله: ((وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا)) يعني: خيبر، ونحن قلنا: إن قوله: ((فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ)) هي صلح الحديبية إذاً: يكون قوله هنا: ((وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا)) فتح خيبر، وقيل: هي مكة، واختاره ابن جرير، وقيل: هي فارس والروم، وقال مجاهد: هي كل فتح وغنيمة إلى يوم القيامة، وكذا عن ابن عباس قال: هذه الفتوح التي تفتح إلى اليوم.


الصفحة التالية
Icon