معنى قوله تعالى: (سيماهم في وجوههم من أثر السجود)
قوله تعالى: (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ): هذا مبتدأ وخبر يعني: علامتهم كائنة فيهم رضي الله تعالى عنهم، (مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) هذا بيان للسيما كأنه قيل: سيماهم التي هي أثر السجود أو حال من المستكن في وجوههم، كأن المقصود هي من أثر السجود.
قال ابن عباس: سيماهم في وجوههم يعني: السمت الحسن، وقال مجاهد وغير واحد: يعني الخشوع والتواضع، وقال منصور لـ مجاهد: ما كنت أراه إلا هذا الأثر في الوجه، يعني العلامة التي تكون في الوجه فقال مجاهد: ربما كان بين عيني من هو أقسى قلباً من فرعون، يعني: ربما كان هذا الأثر الذي يكون في الوجه علامة الصلاة بين عيني من هو أقسى قلباً من فرعون.
وقال بعض السلف: من كثرت صلاته بالليل، حسن وجهه بالنهار، وقد رفعه شريك والصحيح أنه موقوف، وتوجد قصة فيها سبب الوهم الذي حصل في رواية هذا الحديث.
وقال بعضهم: إن للحسنة نوراً في القلب، وضياءً في الوجه، وسعة في الرزق، ومحبة في قلوب الناس.
وقال أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه: ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله تعالى على صفحات وجهه وفلتات لسانه.
وروى الطبراني مرفوعاً: (ما أسر أحد سريرة إلا ألبسه الله تعالى رداءها، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر)، وإسناده واهٍ؛ لأن فيه العذراني وهو متروك.
وروى الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ قال: (لو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء ليس لها باب ولا كوة لخرج عمله للناس كائناً ما كان).
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما مرفوعاً: (إن الهدي الصالح والسمت الصالح والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزءاً من النبوة) رواه أبو داود.
التأويل الثاني في الآية: أن فيهم آثار ترى في الوجه من ثرى الأرض، أو ندى الصخور، وروي ذلك عن ابن الزبير وعكرمة، وقد كان ذلك في العهد النبوي حيث لا فراش للمسجد إلا ترابه وحصباءه، (سيماهم في وجوههم من أثر السجود) يعني: تراب كان يعلق بالجبهة، وهذا كان موجوداً في زمن النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن المسجد كان يفرش بتراب وحصباء؛ فلذلك كان يعلق التراب في جباههم، أما الآن فالمساجد تفرش بالفرش، فالسيما هي علامة السجود المعروفة أو أنها التراب الذي كان يعلق في جباههم أو أنها السمت الحسن والخشوع، وهذا هو الأقرب، والله تعالى أعلم.


الصفحة التالية
Icon