الحذر من تناقل الكلام قبل التثبت وإيذاء الناس بذلك
ولذلك بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن من أكذب الكذب أن يتلقى الإنسان الأخبار دون تحر ويشيعها في الناس، كما جاء في الحديث: (كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما يسمع).
وبعض الناس يسوغ لنفسه الخوض في الباطل والظلم ونحو ذلك، بحجة أنه ليس عليه وزر إنما هو ناقل، فيظن أنه قد برئت ذمته من الإثم، وأن العهدة على من سبقه في السلسلة؛ لكن الحديث المذكور يبين أن الإنسان لا يعذر لكونه ناقلاً فحسب، وإنما هو مطالب بالتثبت فيما ينقله، بدليل قول النبي عليه الصلاة والسلام: (كفى بالمرء كذباً) يعني: لا كذب أكثر من ذلك (أن يحدث بكل ما يسمع)، ففي هذا وجوب التثبت قبل تناقل الكلام وتداوله.
وفي هذا الجزء من الآية: ((فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)) تقرير التحذير وتأكيده، ووجه ذلك: أن الله سبحانه وتعالى قال: ((أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ)) فبين الله سبحانه وتعالى أن ذلك ليس مما لا يلتفت إليه، أي: لا تستهينوا بهذا الأمر ولا تحتقروه، بل إنكم قد تحسبونه هيناً ويكون عند الله عظيماً.
فقد يقول قائل: هب أني أصبت قوماً فماذا علي؟ فيأتي
ﷺ ( فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) فلا تقل: فماذا علي؟ بل عليكم منه الهم الدائم، والحزن المقيم، ومثل هذا الشيء يجب الاحتراز منه، فشيء يترتب عليه ظلم الآخرين وأذيتهم بدون حق ليس بالأمر الهين، بل يستحق العقوبة، ويستوجب الندم والغم والهم الدائم والحزن المقيم.
قال تعالى: ((فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)) ولم يقل: (فتندمون)، كأنها تظل صفة أساسية مستمرة على هذا الذنب.


الصفحة التالية
Icon