تفسير قوله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد)
قال تعالى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق: ١٨].
أي: ما ينطق بنطق ولا يتكلم بكلام ((إلا لديه)) أي: إلا والحال أن عنده رقيباً، أي: ملكاً مراقباً لأعماله، حافظاً لها، شاهداً عليها، لا يفوته منها شيء، ((عتيد)) بمعنى حاضر ليس بغائب، يكتب عليه ما يقول من خير وشر.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من أن الإنسان عليه حفظة من الملائكة يكتبون أعماله جاء موضحاً في آيات كثيرة من كتاب الله، كقول الله عز وجل: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الانفطار: ١٠ - ١٢].
فهل يتصور أحد أن المقصود بقوله: ((وإن عليكم لحافظين كراماً كاتبين يعلمون ما تفعلون)) قوة خيرية تحثك على الخير.
كما أوله القاشاني وأمثاله؟! هذا مصادم تماماً لهذه النصوص الصريحة.
وقال تعالى: ﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ﴾ [الزخرف: ٨٠]، وقال تعالى: ﴿وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الجاثية: ٢٨ - ٢٩].
ولا شك أن في المكتشفات الحديثة الآن كثيراً مما يقرب إلى أذهاننا قضية استنساخ الأعمال، فقد أصبح فهمها أسهل بكثير من ذي قبل، حيث استطاع الإنسان بأجهزة الكمبيوتر وهذه الأقراص المضغوطة أن يسجل كميات ضخمة جداً من الكلمات والحروف والجمل والمقالات، بل وكثير من الكتب في حجم بسيط جداً، فالله سبحانه وتعالى قادر على أن يدون جميع أعمال العباد في هذه الصحف التي بيد الملائكة، قال تبارك وتعالى: ﴿كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا﴾ [مريم: ٧٩]، وقال تعالى: ﴿سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ﴾ [الزخرف: ١٩].
وقد ذكر جماعة من أهل العلم أن القعيد الذي عن اليمين يكتب الحسنات، والذي عن الشمال يكتب السيئات، وأن صاحب الحسنات أمين على صاحب السيئات يعني: أعلى رتبة منه، فإذا عمل العبد حسنة كتبها صاحب اليمين عشراً، وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال: أمهله، ولا تكتبها عليه لعله يتوب أو يستغفر، وبعضهم يقول: يمهله سبع ساعات، والعلم عند الله عز وجل.