المعارضين للحق المدعوين إليه
وأما المعارضون المدعوون للحق فنوعان: نوع يدعون بالمجادلة بالتي هي أحسن، فإن استجابوا وإلا فالمجالدة بالحجة والبيان، فإن لم فبالسيف والسنان.
ومن تأمل دعوة القرآن وجدها شاملة لهؤلاء الأقسام متناولة لها، كما قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ﴾ [النحل: ١٢٥]، أي: ((لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ))، ﴿وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾ [النحل: ١٢٥]، أي: ((أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ))، ﴿وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: ١٢٥]، وهذه طريقة دعوة المعارضين للحق.
والصنفان الأولان مستجيبان للحق.
فهؤلاء المدعوون بالكلام، وهم ثلاثة أقسام: بالحكمة لمن كان له قلب.
والموعظة الحسنة لمن ألقى السمع وهو شهيد.
أو المعارض للحق الذي يجادل بالتي هي أحسن.
وأما أهل الجلاد فهم الذين أمر الله بقتالهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.
وأما من فسر الآية بأن المراد بمن كان له قلب هو المستغني بفطرته عن علم المنطق، وهو المؤيد بقوة قدسية ينال بها الحد الألطف بسرعة إلى آخر هذا الكلام.
فقد فسر بعض الناس: ((ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ))، فقالوا: هي القياس البرهاني.
((وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ)) [النحل: ١٢٥]، القياس الخطابي ((وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)) هو القياس الجدلي.
يقول ابن القيم: فهذا ليس من تفاسير الصحابة ولا التابعين ولا أحد من أئمة التفسير، بل ولا من تفاسير المسلمين، وهو تحريف لكلام الله تعالى وحمل له على اصطلاح المنطقية المبخوسة الحظ من العقل والإيمان، وهذا من جنس تفاسير القرامطة والباطنية وغلاة الإسماعيلية بما يفسرونه من القرآن وينزلونه على مذاهبهم الباطلة، والقرآن بريء من ذلك كله، منزه عن هذه الأباطيل والهذيانات.


الصفحة التالية
Icon