تفسير قوله تعالى: (واستمع يوم ينادي المناد من مكان قريب ذلك حشر علينا يسير)
قال تعالى: ﴿وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ * إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ * يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ﴾ [ق: ٤٤].
أي: استمع لما أخبرك به من أهوال القيامة، يوم ينادي مناديها من مكان يصل نداؤه إلى الكل على سواء.
قال: ((وَاسْتَمِعْ)) ولم يبين ما هو الذي يستمع إليه، ثم بينه بما بعده فقال: ﴿يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ﴾ [ق: ٤٢] يعني: استمع للصيحة بالحق.
وفي ورود الأمر مطلقاً ثم تبيينه بما بعده تهويل وتعظيم للمخبر به؛ لما في الإبهام ثم التفسير من التهويل والتفخيم للفعل المحدث عنه.
((يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ)) أي: صيحة البعث من القبور والحشر للجزاء.
((بِالْحَقِّ)) يعني: بالأمر بالإجابة لله إلى موقف الحساب.
((ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ))، أي: من القبور.
((إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ)) أي: في الدنيا بإفاضة نور الحياة أو قطعه.
((وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ)) أي: مصير الجميع يوم القيامة.
((يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا)) فيخرجون منها مسرعين، كما قال الله سبحانه وتعالى في تبيين ذلك الموقف: ﴿يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ﴾ [المعارج: ٤٣]، وقال تعالى: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ﴾ [يس: ٥١] يعني: يسرعون.
وقال تعالى: ﴿يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنتَشِرٌ * مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ﴾ [القمر: ٧ - ٨] يعني: مسرعين مادي أعناقهم على الأصح.
وقوله تعالى: ((يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا)) قرأ هذا الحرف نافع وابن كثير وابن عامر: (تشَّقَّق) بإدغام إحدى التاءين في الشين؛ إذ أصلها (تتشقق).
وقرأ الباقون بتخفيف الشين وبحذف إحدى التاءين، (تَشَقَّقُ).
((سِرَاعًا)) جمع سريع، وهو حال من الضمير المجرور في قوله: ((عنهم)) أي: تشقق الأرض عنهم في حال كونهم مسرعين إلى الداعي.
والداعي هو الملك الذي ينفخ في الصور ويدعو الناس إلى الحساب والجزاء.
((ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ)) أي: ((ذلك)) الإخراج لهم في موقف الحساب ((حشر)) أي: جمع لهم في موقف الحساب ((علينا يسير)) سهل بلا كلفة.