كلام الشنقيطي على آية: (يوم نقول لجهنم)
يقول العلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية الكريمة: ((يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ)).
قرأ هذا الحرف عامة السبعة غير نافع وشعبة عن عاصم، ((يَوْمَ نَقُولُ)) بالنون الدالة على العظمة، وقرأ نافع وشعبة: ((يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ)) وعلى قراءتهما فالفاعل ضمير يعود إلى الله.
واعلم أن الاستفهام في قوله: ((هَلْ مِنْ مَزِيدٍ)) فيه للعلماء قولان معروفان: الأول: أن الاستفهام إنكاري، كقوله تعالى: ﴿هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ﴾ [الأنعام: ٤٧]، أي: ما يهلك إلا القوم الظالمون، وعلى هذا فمعنى: (هل من مزيد) أي: لا محل للزيادة لشدة امتلاء النار، واستدل بعضهم لهذا الوجه بآيات من كتاب الله، مثل قوله تعالى: ﴿وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ [السجدة: ١٣].
وقوله تعالى: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ [هود: ١١٩].
وقال تعالى: ﴿قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ * لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [ص: ٨٤ - ٨٥].
وقال تعالى: ﴿لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ [يس: ٧].
فإقسام الله تعالى في هذه الآيات المدلول عليه بلام التوطئة فيه دليل على أنها لا بد أن تمتلئ، ما دام الله قد أقسم ليملأنها، فلا بد أنها سوف تمتلئ بالفعل، ولذلك قالوا: إن معنى: هل من مزيد؟ أي: لا مزيد؛ لأنها قد امتلأت وليس هناك محل للمزيد.
وأما القول الآخر: فهو أن المراد بالاستفهام في قول النار: ((هَلْ مِنْ مَزِيدٍ)) زدني، وأنها تطلب الزيادة، وأنها لا تزال كذلك حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول: قط قط، أي: كفاني قد امتلأت، وهذا الأخير هو الأصح.
والعلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى يرجح هذا القول الأخير؛ لما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن جهنم لا تزال تقول: هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول: قط، قط) والتصريح بقولها: (قط، قط) أي: كفاني قد امتلأت، وأما قولها قبل ذلك: هل من مزيد؟ فلطلب الزيادة، يعني: قبل أن نصل إلى الغاية.
وهذا الحديث الصحيح من أحاديث الصفات، فينبغي أن نسلك فيه مسلك السلف الصالح رحمهم الله تعالى في مثل هذه النصوص، من أنها تمر كما جاءت بلا كيف، فيثبت الوصف، لكن نفوض علم الكيفية إلى الله سبحانه وتعالى، كما قال تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ [الشورى: ١١].
واعلم أن قول النار في هذه الآية: ((هَلْ مِنْ مَزِيدٍ)) قول حقيقي ينطقها الله به.
وزعم بعض أهل العلم أنه كقول الشاعر: امتلأ الحوض فقال قطني مهلاً رويداً قد ملأت بطني فبعض العلماء استند إلى هذا البيت من الشعر كشاهد على أن قول النار: هل من مزيد؟ يفهم من حالها وليس نطقاً حقيقياً تنطق به النار.
وهذا خلاف التحقيق كما أشرنا، فالراجح أن قولها: هل من مزيد؟ على الحقيقة.


الصفحة التالية
Icon