تفسير قوله تعالى: (الذين هم في غمرة ساهون هذا الذي كنتم به تستعجلون)
قال تعالى: ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ * يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ * ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ﴾ [الذاريات: ١١ - ١٤].
قوله: ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ﴾ أي: في جهل يغمرهم عن وجوب اتباع الدلائل القاطعة وترك الشبهات الواهية.
أو: غافلون عما نزل إليهم بالانهماك في اللذات البدنية واستئثار الحظوظ العاجلة.
قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ﴾ أي: متى يوم الجزاء، ويوم يدين الله العباد بأعمالهم؟! هذا السؤال منهم كان على سبيل الاستنكار أو الاستحقار أو الاستبعاد، فجاءهم الرد: ﴿يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ﴾ أي: يحرقون، والفتنة هنا بمعنى الإحراق، وهي إحدى إطلاقات الفتنة في القرآن الكريم، يقال: هذا دينار فتين، أي: محروق، وأصل الفتن: إذابة الجوهر الخام كالذهب ليخرج منه ما يخالطه من شوائب كثيرة، قال عز وجل: ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ﴾ [الرعد: ١٧] أي: أن الشوائب تذهب ويبقى المعدن الخالص.
كما قال بعض السلف في حق الإمام أحمد رحمه الله تعالى: إن أحمد أدخل الكير فخرج ذهباً أحمر رحمه الله تعالى، فأصل (الفتن) إذابة الجوهر ليظهر غشه، ثم استعمل في التعذيب والإحراق ونحوه.
﴿ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ﴾ يعني: يقدر هنا مقولاً لهم أي: أثناء تعذيبهم، يقال لهم في هذه الحالة: ((ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ)) أي: ذوقوا عذابكم الذي استعجلتموه قبل وقته، كما قال: ((هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ)) أي: هذا ما استعجلتم حصوله في الدنيا، لأنكم كنتم تتحدون الرسول أن يأتيكم بهذا العذاب إن كان من الصادقين، فهذا الذي كنتم به تستعجلون، قال سبحانه: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ﴾ [العنكبوت: ٥٣ - ٥٤].


الصفحة التالية
Icon