تفسير قوله تعالى: (فويل يومئذٍ للمكذبين)
قال تعالى: ﴿فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ [الطور: ١١] أي: المكذبين بالحق الجاحدين له.
وقوله: ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ﴾ [الطور: ١٢] يعني: في خوض من التكذيب والاستهزاء، يلعبون بآيات الله ودلائله.
وقوله تعالى: ﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا﴾ [الطور: ١٣] أي: يدفعون إليها بعنف، يقال: دععت في قفاه، إذا دفعته في قفاه بإزعاج وشدة، كما يفعل الشرطي بالمجرم الذي يقبض عليه، فإنه يدفعه من الظهر أو من قفاه بشدة إلى الأمام.
وقوله تعالى: ﴿هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ﴾ [الطور: ١٤] يعني: يقال لهم: (هذه النار التي كنتم بها تكذبون).
وقوله تعالى: ﴿أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ﴾ [الطور: ١٥] يعني: الذي وردتموه الآن، أهذا سحر؟ والفاء هنا للسببية؛ لتسبب هذا عما قالوه في الوحي؛ لأنهم لما وصفوا الوحي بأنه سحر وردوا العذاب نتيجة هذا القول؛ تسبب لهم فيما هم فيه من الدع ومن العذاب.
فقوله: ((أَفَسِحْرٌ هَذَا)) أي: أم هذا الذي تردونه الآن من النكال والعذاب، هل هذا سحر؟ وقوله: ((أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ)) أي: أم كما كنتم لا تبصرون في الدنيا، لا تبصرون في الآخرة أيضاً؟ قال الزمخشري: يعني: أم أنتم عمي عن المخبر عنه كما كنتم عمياً عن الخبر؟ وهذا تقريع وتهكم.
ثم قال تعالى لهم: ﴿اصْلَوْهَا﴾ [الطور: ١٦] أي: ذوقوا حر هذه النار.
وقوله تعالى: ﴿فَاصْبِرُوا﴾، يعني: على ألمها.
﴿أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ﴾ يعني: سواء عليكم الأمران ((سواء)) مبتدأ، والخبر ((عليكم))، أي: الصبر والجزع كلاهما عليكم سواء، كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ﴾ [إبراهيم: ٢١].
فقوله: ﴿فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ﴾ [الطور: ١٦] أي: الأمران: الصبر وعدمه سواء عليكم.
وقوله: ﴿إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾، أي: لا تعاقبون إلا على معصيتكم في الدنيا لربكم وكفركم به.
والإتيان بهذه الصيغة هنا المقصود بها التعليل، يعني: علة هذا التعذيب ما عملتموه من قبل.
قال الزمخشري: فإن قلت: لمَ علل استواء الصبر وعدمه بقوله: ((إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ))؟ قلت: لأن الصبر إنما يكون له مزية على الجزع؛ لنفعه في العاقبة، بأن يجازى عليه الصابر جزاء الخير.
فأما الصبر على العذاب -الذي هو الجزاء- ولا عاقبة له ولا منفعة، فلا مزية له على الجزع.
يعني: أنه علل قوله تعالى: ﴿فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ﴾ [الطور: ١٦]، بأن المقصود: اصبروا على ألمها أو لا تصبروا، فالصبر والجزع كلاهما سواء، وذكر العلة بقوله: ((إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ))، إشارة إلى أن الصبر والجزع لا يستويان في دار الدنيا، التي هي دار العمل والكسب والسعي، فالإنسان يصبر ولا يجزع، فإذا صبر فإنه يثاب على هذا الصبر، كما قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزمر: ١٠]، فالصبر يكون مراً، لكن عاقبته عاقبة طيبة.
والإنسان عليه أن يصبر على مرارة الصبر؛ لأنه يرى ببصيرته حلاوة العاقبة، سواء في الدنيا أو في الآخرة، فالصبر له ثمرة وعاقبة حسنة في الدنيا وفي الآخرة.
أما الجزع في الدنيا فلا شك أن الصبر أفضل منه؛ لأن الصبر يرجى من ورائه عاقبة حلوة، أما في دار الجزاء بعدما انتهت الدنيا، فليس فيها أي كسب جديد، فقد انتهى العمل، وانقطعت الأسباب وانقطع العمل.
فحينما ينتقل الإنسان إلى دار الجزاء، فيدخل النار ويعذب، فيصبر أو لا يصبر، لا فرق بين الاثنتين؛ لأن الصبر هنا في هذه الحالة لا يرجى من ورائه فائدة؛ لأنه في دار الجزاء، ودار الثواب أو العقاب، وليس في دار العمل.


الصفحة التالية
Icon