تفسير قوله تعالى: (ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم)
قال تبارك وتعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ﴾ [الطور: ٤٩].
قوله: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ) أي: اذكره واعبده بالتلاوة والصلاة بالليل، كما قال تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامَاً مَحْمُودَاً﴾ [الإسراء: ٧٩]، وقد روي في أذكار الليل من التسابيح ما هو معروف في كتب الحديث، وقد جمعت ذلك مُعَرَّىً عن الأسانيد في كتاب الأوراد المأثورة.
هذا كلام القادري رحمه الله تعالى.
وقوله: وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ أي: وسبحه وقت إدبارها، وذلك بميلها إلى الغروب عن الأفق بانتشار ضوء الصبح.
وأما المقصود بقوله تعالى: (وَإِدْبَارَ النُّجُومِ) فقيل: عَنَى بذلك فريضة الفجر، أو نافلته، أو ما يشملهما.
إذاً: قوله تعالى: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ﴾ [الطور: ٤٨ - ٤٩] يعني: فسبحه أيضاً، والتسبيح في إدبار النجوم: إما أن المقصود به صلاة الفجر، أو سنة الفجر، أي: الركعتان اللتان قبل صلاة الفجر.
وبعض الناس يضطرب عندهم الأمر ويسألون كثيراً: ما هو الفرق بين الصبح والفجر؟
و ﷺ أنه يقال: صلاة الصبح أو صلاة الفجر، وسنة الفجر أو سنة الصبح، فاللفظان مترادفان، ولا إشكال في إطلاق أي واحد منهما.
فإن قيل: هذه صلاة، والأمر هنا بالتسبيح فكيف ذلك؟ فنقول: إن الصلاة يطلق عليها: تسبيح؛ لأن الصلاة تسمى بأجزائها، كما تقول: صليت ركعة، أو صليت ركعتين، فتعبر عن الصلاة كلها بجزء منها وهو الركوع؛ مع أن الصلاة ليست ركوعاً فقط، فالصلاة تسمى بجزء من أجزائها كالفاتحة مثلاً، فقد سمى الله الفاتحة صلاة، كما قال تبارك وتعالى في الحديث القدسي: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي) وذكر الفاتحة فقط، إشارة إلى أنها من أركان الصلاة المهمة، وإن كانت الصلاة فيها أركان أخرى غير مجرد قراءة الفاتحة، فأطلق الجزء وأراد به الكل، وكذلك تقول: سجدة الضحى وتعني: صلاة الضحى، وهكذا.
وفي الحديث أيضاً: (جمع بين المغرب والعشاء جمع تأخير في مزدلفة ولم يسبح بينهما شيئاً) أي: جمعهما ولم يصل بينهما نافلة.
ومن ذلك أيضاً قول ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: (لو كنتُ مسبحاً لأتممت) يعني: لو كان لي أن أتنفل في السفر لكان الأولى أن أتم الصلاة، وليس أقصر الصلاة وأصلي النوافل الأخرى، أي: غير الوتر وركعتي الفجر، فقوله: (لو كنتُ مسبحاً لأتممت)، أي: لو كنتُ متنفلاً، فأطلق التسبيح على صلاة النافلة.
فالصلاة تطلق وتسمى أحياناً ببعض أجزائها، وعلى هذا فقوله تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ﴾ [الطور: ٤٩] يعني: وسبحه وقت إدبار النجوم بالصلاة، إما صلاة الفريضة وإما صلاة النافلة في الفجر.
قال قتادة: كنا نُحَدَّث أنهما الركعتان عند طلوع الفجر.
وقد ثبت في الصحيحين عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: (لم يكن رسول الله ﷺ على شيء من النوافل أشد تعهداً منه على ركعتي الفجر)، وفي لفظ لـ مسلم: (ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها).
وأوصانا الرسول عليه الصلاة والسلام بالمحافظة عليهما، فقال: (ولو طاردتكم الخيل) يعني: لو كنتم تطاردكم خيل الأعداء فلا تضيعوا ركعتي الفجر أبداً.
قال الزمخشري: وقرئ: ﴿وَأَدْبَارَ النُّجُومِ﴾ بالفتح، بمعنى: في أعقاب النجوم وآثارها إذا غربت.


الصفحة التالية
Icon