تفسير القاسمي لقوله تعالى: (والأرض وضعها للأنام) وما بعدها من الآيات
يقول القاسمي: ﴿وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ﴾ أي: مهدها للخلق.
﴿فِيهَا فَاكِهَةٌ﴾ أي: صنوف مما يتفكه به من ألوان الثمار.
﴿وَالنَّخْلُ ذَاتُ الأَكْمَامِ﴾ يعني: ذات أوعية الطلع، وهو الذي يطلع فيه العنقود، ثم ينشق عن العنقود فيكون بسراً ثم رطباً، ثم ينضج ويتناهى نضجه واستواؤه، وإنما أفردها بالذكر لما فيها من الفوائد العظيمة.
فإذاً: النخل من الفواكه، لكن الله سبحانه وتعالى لخصوصيات في النخل أفرده بالذكر وكأنه ليس من الفواكه، مع أنه فرد من أفرادها ونوع من أنواعها، لكن أشار الله سبحانه وتعالى إليه لأنه أشرف أنواع الفواكه.
والنخل أيضاً له علاقة خاصة بالمؤمن، فقد سأل النبي ﷺ مجموعة من الصحابة، فقال لهم: (أخبروني عن شيء من الشجر هو أشبه شيء بالمسلم أو بالمؤمن، فخاض الناس في أنواع الشجر، وكان في القوم عبد الله بن عمر، وهم أن يقول: إنها النخلة، لكنه استحيا؛ لوجود من هم أكبر منه سناً في المجلس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنها النخلة)، هناك إشارة أيضاً في القرآن في قوله عز وجل: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ﴾ [إبراهيم: ٢٤] يعني: النخل ﴿أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا﴾ [إبراهيم: ٢٤ - ٢٥].
كذلك النخل بالذات لا يوجد فيه شيء يرمى ويستغنى عنه، فمثلاً: كان العرب الكرام إذا أحبوا أن يكرموا ضيفاً أخذوا جذع نخلة وفتحوه واستخرجوا منه شيئاً اسمه الجمار وقدموه للضيف، وطعمه رائع جداً.
إذاً: لو ذهبنا نعدد ونتكلم في نعمة الله سبحانه وتعالى بالنخل لأدركنا لماذا خص الله سبحانه وتعالى النخل بالذكر بعد قوله: ((فِيهَا فَاكِهَةٌ))، ثم قال: ((وَالنَّخْلُ ذَاتُ الأَكْمَامِ)).
يقول القاسمي: وإنما أفردها بالذكر لما فيها من الفوائد العظيمة، على ما عرف من اتخاذ الظروف منها -الظروف يعني: الأوعية- والانتفاع بثمارها، وبالطلع والبسر والرطب وغير ذلك.
فثمارها تختلف باختلاف الأوقات مع أن أصلها واحد، لكنها تتفاوت في وقت عنها في وقت آخر، فهي أتم نعمة بالنسبة إلى غيرها من الأشجار.
فإذاً: ذكر الفاكهة دون أشجارها كما في قوله: ((فِيهَا فَاكِهَةٌ)) لأن فوائد أشجارها في عين ثمارها، يعني: فوائد شجر البرتقال والمانجو والموز وكذا وكذا في الثمرة، لكن شجرة النخل كل شيء فيها مفيد.